هل كان هتلر يسارياً؟
- يؤاخيم فيست
- 22. Jan. 2016
- 4 Min. Lesezeit
النقاش حول الموقف السياسي الدقيق للاشتراكية القومية الألمانية [النازية] لم يدار بشكل دقيق. الواضح حتى الآن هو: منذ بزوغها، كانت للنازية مع الشمولية الستالينية قواسم مشتركة أكثر من تلك مع الفاشية الموسولينية.

هنالك بعض الأسباب الوجيهة للاعتقاد بأن النازية تنتمي سياسياً إلى اليسار أكثر من انتمائها إلى اليمين. على أي حال، كانت للنازية مع الشمولية الستالينية قواسم مشتركة أكثر من تلك مع الفاشية الموسولينية. في إيطاليا العشرينات و الثلاثينات، كانت الفوارق الطبقية التقليدية لا تزال سائدة في المجتمع، بينما هتلر، حاله كحال الاشتراكيين من مختلف الاتجاهات، عمل على الدفع بموقف المساواة الاجتماعية. حتى بعد ما يسمى بـ "الاستيلاء على السلطة" [استحواذ هتلر على منصب المستشار بواسطة السبل الديمقراطية و الانقلاب على النظام بعدها]، و خلافاً لآمال بعض أفراد الطبقات الاجتماعية العليا، لم يسترجع هتلر الامتيازات السابقة التي سبقت ١٩١٨ [ثورة نوڤمبر التي حوّلت المانيا من قيصرية إمبراطورية إلى جمهورية ديمقراطية برلمانية]. بدلاً من ذلك، استبدل ببساطة مفهوم ماركس للـ"مجتمع اللا طبقي بـ "مجتمع الشعب" و روّج لهذا المصطلح، الذي مازال يبدو و كأنه اشتراكي و مخيف، كنوع من الاحتفال بالأخوية المستمر.
هنا حاكى هتلر رغبة عميقة و دائمة عند الألمان، رغبة تعكس أن الجمهور في البلاد لا يزال يشعر في ظل سياسة "الإجماع" و كأنه محمول بين اليدين. فالنزاع السياسي وفقاً لضوابط ثابتة، و الذي يعتبر من المتطلبات الأساسية للحكم الديمقراطي، لا يحظى بذلك الاعتراف و التقدير المطلوبين. بدلاً من ذلك، يشيد العالم كله إجلالاً بفكرة المساواة التي بالمناسبة لا تقف فقط عند فرص الانطلاق المتكافئة.
في هذا البلد، يُراد أن يصل الجميع و على خط موازي إلى خط النهاية. لا ينبغي لأحد أن يتفوق على الآخر.
كما هو معروف، لم يؤمّم هتلر وسائل الإنتاج. هذا بحد ذاته كافٍ لمنظّري الماركسية للإجابة على السؤال ما إذا كان برنامج هتلر السياسي يصح وصفه بالاشتراكي أو لا. مع ذلك، كان لهتلر فكرة أذكى من ذلك. فلقد جعل – كما يصفه هو في كلماته – "ليست الشركات، و لكن الشعب نفسه" اشتراكياً.
و بهذه الطريقة حصد سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً الكثير من الإعجاب للعديد من الإنجازات. في نفس الوقت لم يكن هتلر متحدثاً باسم الرأسمالية بالمعنى التقليدي للكلمة. فليس من دون سبب تكلّم في بعض خطاباته عن "الشوق المناهض للرأسمالية" الذي يملؤ الوقت. كما ليس من قبيل الصدفة أن يكون مصدر هذه الصيغة واحداً من النازيين الرائدين من الدائرة الداخلية حول هتلر، جريجور ستراسر. مما لا شك فيه، لم يشعر أي أحد في كتيبة العاصفة، التي سارت في أحياء برلين في Steglitz و Moabit تحت أعلام الصليب النازي، كرفيق حزبي لـ "ردة فعل سياسية" ما. بل حالهم كحال أعمدة اليسار آنذاك، رأوا في أنفسهم "طليعة" لتغيير اجتماعي جذري. معهم – كما كانوا فعلاً يعتقدون و يغنّون– سيبزغ عصر جديد.
عندما انضمت في ربيع عام ١٩٣٣ أول تشكيلات قتالية شيوعية إلى كتيبة العاصفة، لم يفهمه جنود الحزب الأحمر كانكسار نفسي أو عسكري، بل حتى توجد طرفة تداولها أهالي برلين آنذاك تصف هذه التشكيلات بـ "شرحات العواصف" [كشرحات اللحم، بنّية من الخارج، حمراء من الداخل، و لأن اللون البني يشير إلى النازية]. الطرفة هذه تكشف أيضاً كيف كان الجمهور ينظر إلى بعض الأشخاص. واحدهم آنذاك استبدل فقط العلم و القائد، حتى الحانة التي كانوا يجتمعون فيها مساءً لم تتغير. في القلب بقي الشخص اشتراكياً، إلا أن الفارق الآن هو أنه بإمكانه أن يصبح وطنياً أيضاً، لا "خائناً" للأممية الشيوعية.
من لم يكن على استعداد للانضمام آنذاك مع هكذا فرصة؟!
طبعاً يمكن الاستشهاد بالعديد من أوجه التشابه الأخرى بين النازية و الشيوعية، و بعمق أكبر. فغالباً ما تخفي شدّة التنافس في المجال السياسي شيء من صورة "التوائم المعادية". و هنا الأمر لم يكن مختلفاً. كلا المعارضين في ذلك العصر من الزمن، النازية و الشيوعية، قاتلا بعضهما البعض بمرارة، و حلما سوياً بـ "الإنسان الجديد" الذي فقط من خلالهما سيتمكّن من تحقيق ذاته على وجه الأرض. كلاهما، في جو من الشعارات المتناقضة، بحثا عن الفردوس المفقود منذ زمن بعيد. و كلاهما كرها العالم البرجوازي أكثر من أي شيء آخر. من يسترجع هتافات بعضهم إلى الذهن، تلك الهتافات التي رددها بعض القادة النازية في الترحيب بـحملات القصف و تدمير المدن الألمانية، سيفهم صورة عن طبيعة جذرية من الكراهية عندهم: جوزيف غوبلز وصفها آنذاك بـ "أسوار سجن العالم البرجوازي" التي تهدّمت أخيراً.
صدى هكذا مشاعر وفاء معقّدة في سقوط نظام، كان مسموعاً أيضاً في صعود نظام آخر: في السنوات الأولى من عمر ألمانيا الشرقية، همّشت السلطة تلقائياً بقايا العالم البرجوازي بكل أبعاده.
بصورة شاملة، لم تكن هنالك مناقشة كاملة و دقيقة حول الموقف السياسي للنازية بين اليمين و اليسار. بدلاً من ذلك، كانت هنالك العديد من المحاولات لإنكار أي علاقة لحركة هتلر مع الاشتراكية. بل حتى في بعض الحالات تم إنكار الطبيعة الشمولية للشيوعية كمحاولة لنقلها بعيداً عن النازية. طبعاً هذه المحاولات فشلت و لم تنجح حتى الآن. سيناريوهات الوعد [الوعيد] التي رسمها الطرفان لم تستمر لفترة طويلة جداً. في حالة النازية، أكثر من عقد من الزمن، و في ظل الاشتراكية استمرت تقريباً لثلاثة أجيال. كلاهما كلّفا الإنسانية ما لا يحصى من ملايين الضحايا.
الفرق الأكثر إثارة للدهشة بينهما، هو أن النازية التهمت نفسها بنفسها بفضل برنامجها السياسي اللا إنساني، في حين نجحت الاشتراكية في التنكّر بالإنسانية في عدة مراحل تاريخية.
ما نتعلّمه من هذه التجربة هو أن كل الأيديولوجيات، بغضّ النظر عن ما توعد به الناس، لا تفي بوعودها. قد تبدو بعض الوعود مغرية على الورق، لكن من تعلّم من التاريخ و بعد نظرة فاحصة، سيكتشف، خلف كل المشاهد المثالية و الداعية إلى المساواة، الرعب العاري.
ترجمة: سيف البصري
Comentarios