top of page

اليمين كفلسفة #٢

  • سيف البصري
  • 8. Mai 2020
  • 2 Min. Lesezeit

الرئيس الألماني شتاينماير يقول أن ألمانيا بلد لا يمكن أن يُحَبْ إلا بقلب منسحق. من سبقه، يواخيم گاوك، صرّح بما معناه أن طبيعة الشيء الألمانية مبهمة ولا يمكن تعريفها بدقة، أي مالذي يميّز الالماني عن غيره؟ بالنسبة له شيئ متغيّر ومبهم..

مالذي نستخلصه من تصريح رئيس يرمز لنظام ديمقراطي معاصر؟

الكثير، وربما سترى ما لا أراه، لكن مثل هذه الآراء لا تطرح بالصدفة بل تتبلور مراعيةً للوعي العام وضمن نافذة صوابية ترضي أكبر عدد ممكن، من الداخل ومن الخارج. هذه التصريحات تعكس الفكر العام والشعور

وهذا ما نجحت به ما بعد الحداثة، تجريد الفرد من أواصر صلبة كانت بمثابة بوصلة فطرية للأنسان، المواطن [لغة، مظهر، تقاليد، حدود جغرافية: هوية].

أنا أفهم الحرب المنظّمة هذه وهي تستهدف مفصلين: العائلة الكبيرة [الوطن/المجتمع]، والعائلة الصغيرة:

شكلها: أب وأم وأطفال [تهميش الهوية الطبيعية والدعوة العلنية لتغيير النمط الطبيعي هذا وتقنين كل أنواع التجمعات من ٣ أفراد فما فوق وتقديمها كوجه جديد ومتسامح ومعاصر وتقدّمي للعائلة].

عدد أفرادها: تكاثر/تناقص أو لاـإنجابية هدفها تقليص عدد السكّان رغم سلبية نسبة الولادة. مثل هذه السياسات قد تنفع في الصين، لكنها بمثابة مورفين لجسد يعاني وآيل إلى الفناء. معدّل ولادة بـ ٢ طفل لكل أُم لا يعني التكاثر، بل بقاء العدد. بينما أوربا الغربية اليوم معدّلها يصل لـ ١,٤ تقريبًا، وهذه كارثة تجعلهم يعتمدون على الخارج وعلى الهجرة وهذا ما يخلق heterogeneity ولّادة للمشاكل الاجتماعية والتصادم الثقافي. فقط قم بزيارة أنحاء باريس واقرأ عن ديموغرافيتها وستفهم أكثر. طبعًا كمثال بسيط.

هرميتها [سن قوانين تجعل الدولة تتدخّل في المعونة والتربية بشكل مباشر وتحفّز على أشكال التربية الأحادية الطرف، مثلًا زوجة + طفل من خلال الترويج، وإن كان بشكل غير مباشر، لضمانات اقتصادية باموال الضرائب]. إضافة إلى تمكين الأطفال على مواجهة الوالدين بسلطة القانون منذ الصغر وبشكل مستفز ومبالغ. يسوّق له من باب ”حماية الطفل“، لكن الواقع مختلف، ومن يملك أطفالًا في الخارج، سيعي أن ابن الـ ١٤ عامًا يمكنه أن يهددك كأب بدائرة الأطفال ويتطاول على سلطتك باسم القانون.

أنا لا أتكلّم هنا عن سوء المعاملة المتعمّد من قبل الوالدين، بل عن أبسط الأشكال التأديبية للطفل وعن تدخّل الدولة المباشر في تحديد الهوية الجنسية والدينية على سبيل المثال.

هنا تتدخّل الدولة بشكل مباشر وتحاول استقطاب الفرد نحوها وتقليص دور العائلة كأسرة اجتماعية. لا تحطيمها، بل تقليص دورها بشكل كافي ليجعل الفرد ينتخب ويستهلك كما يفترض منه. الفرد في زمن ما بعد الحداثة الاستهلاكي هو أهم عجلة صغيرة في النظام العالمي المعاصر.

العائلة الصغيرة كما ترى تهاجم من عدة أطراف، والهوية الوطنية [الأواصر التي تجمع مجموعة من البشر على رقعة جغرافية] تهاجم بشكل مستمر وعلني تحت شعار مواجهة العنصرية والتطرّف.

ونحن لا نقول تعال وافتخر بوطنك وحارب الجميع ولا نقول أغلق عقلك وكن فاشيًا؛ لكن عندما تقود وتتحملّ مسؤولية شعب ولا تملك آصرة قوية وغير مشروطة مع وطنك ولا تملك هوية واضحة المعالم، ستضيع معك شعبك قبل كل شيء. نحذّر من أن الإنسان الذي يجرّد بشكل ممنهج من أواصره، يضيع! الضياع هو نتيجة أفكار اليسار العولمية المناهضة لروح الاعتزاز بالرقعة الجغرافية وموطن الولادة والسكن والممتلكات واللغة والمشتركات التي تميّزك وقومك. ومثل هذه التصريحات تعكس هذا الضياع. فهويته لا تحددها الجغرافية، ولا اللغة ولا العرق [أو مجموعة أعراق مشتركة بالمصير والجغرافية] ولا التقاليد، وإنما ما تسمح به نافذة أوڤرتون ـ الصوابية.

Comments


bottom of page