جائحة الهلع ـ لعبة الأرقام وخطر الإعلام
- سيف البصري
- 31. März 2020
- 6 Min. Lesezeit
دعني أسرد لك أشياء *لا* نعلمها إطلاقًا أو عن يقين علمي عن الكورونا #panikedemics. ولا أريد هنا أن أخرج باستنتاجات أو أفتي بشيء بقدر رغبتي بالابتعاد عن هذا الصخب الموجع واللغة اليقينية التي تطرح في كل مكان والتعامل اللامسؤول مع الأرقام ـ في التلفاز والإنترنت والعمل وأثناء المحادثات اليومية والعائلية ـ والتنبيه عن ما نجهله، علّ التواضع ينجّينا من الوقوع في الهلع الذي على ما يبدو قد أصاب أغلب البشر. الخطأ احتمالية ملازمة لتنبؤاتي دائمًا كوني لا أهتم سوى بالتنبؤ الأدق والممكن بأحداث المستقبل ولا يهمني كم مرة أحتاج لتغييرها. لكن الثغرات في القصة الرسمية كبيرة وتحتاج لوقفة. لعبة الأرقام وخطر الإعلام: لماذا التواضع في التعامل مع الأرقام هو ضرورة قصوى!
◀︎ الأرقام الرسمية غير دقيقة ولا نستطيع التأكّد من خلفيتها وهذه مشكلة، مشكلة حقيقية؟
في أغلب دول العالم يحدد الطبيب وفاة المريض بشكل رسمي ويدوّن السبب في شهادة الوفاة. لكن، هنالك شروط لملء الشهادة لا يتقنها سوى الأطباء المتخصصين بالتشريح والطب العدلي. وهذا خطأ فني لا يسلّط عليه الضوء إعلاميًا، لكن أي طبيب سيفهم ما أعنيه.
لنفترض أن المريض قبل أن يموت كان مصابًا بعجز مزمن في القلب وضغط دم مرتفع وسكّر ـ هذا المزيج [multimorbidity] هو بالمناسبة ما يشكّل الغالبية العظمى لحالات الوفاة بسبب الڤيروس SARS-Cov-2 ـ ومن ثم يصاب بكورونا ويموت. في هذه الحالة يجب أن يكون سبب الوفاة الطبيعي ليس COVID-19كورونا، بل العجز المزمن في القلب!
الطب الشرعي يميز بين نوعين من حالات الوفاة: طبيعي، وغير طبيعي. طبيعي مثلًا بسبب أمراض مزمنة كالعجز القلبي أو بسبب السرطان. غير طبيعية مثلًا في حالة القتل: التسمم المتعمّد أو عند وجود علامات خنق واختناق. في هذه الحالة، التشريح يساعد على تحديد السبب الحقيقي للوفاة وهذه مهمة صعبة على الطبيب غير الشرعي أو من هو متخصص في الطب العدلي!
هنالك دراسات في دول العالم المتقدّمة تظهر أن ما يقرب من ثلث شهادات الوفاة غير صحيحة، وأن نصف عمليات تشريح الجثث أظهرت عدم صحية استنتاجات أسباب الوفاة. لذلك يعد التشريح عاملًا مهمًا في الطب السريري لأنه يساعد في تحديد الخطأ الطبي. وهذا ما لا نملكه وسط هذه الإجراءات التي يغذّيها الإعلام بالهلع. لذلك لا يمكن الوثوق بأن كل الحالات التي ينال منها الڤيروس هي حدثت بسببه ومع أنه معجّل في الوفاة، إلا أنه يبقى ليس السبب الرئيسي، على عكس ما تحاول مؤسسات الإعلام نشره.
◀︎ نحن نجهل ساعة الصفر [أول حالة] في أغلب دول العالم خارج الصين، وبالتالي لا نعلم تحديدًا متى انتشر، وأي نوعية منه، وكم هو عدد الفحوصات التي أجريت مقارنة بدول أخرى، وما إذا كانت الأرقام الرسمية تعكس الواقع فعلاً. كما أن أغلب الأرقام غير متناسقة وشخصيًا لم أعد أثق بأي أرقام تفرز وهو شيء مؤسف لكنه الواقع الذي يفرض نفسه علينا، وليس شرطًا أن نخرج بأرقام ما فقط كي يرتاح عقل الصحفي ويفهم المناضل الفيسبوكي والمواطن ”النموذجي“ الوضع. يكفي الالتزام بحذر شديد ومراعاة واقعية لمستوى الخطأ الممكن، والأخير شيء أفتقده في المواقف السياسية، خصوصًا في الدول الديمقراطية.
لكن المصيبة هي أن حكومات الدول وبمساعدة كلاب الحراسة "الإعلام" تمرر بالقوانين الجديدة، تقيّد الحياة العامة، تتدخّل بالاقتصاد، تضخ بأموال الضرائب، تهدد بركود تام، كل ذلك وفق أرقام غير دقيقة ونماذج يمكن أن تخطئ بشكل كارثي يتجاوز الصفرين! إن كنت متابعًا للنزاع الأوربي الداخلي حول الاستراتيجية الأنسب فربما تكون قد سمعت عن عالم الأوبئة نيل فيرگسون من كلية لندن الإمبراطورية والذي ابتكر نموذجًا يتنبّأ بانتشار ڤيروس SARS-Cov-2 ، والأخير استشهدت به مؤسسات مؤثرة مثل نيويورك تايمز وكان له دور فعّال في صنع القرار في السياسة الحكومية البريطانية وبعض الدول المحيطة. توقع نموذج فيرگسون 2.2 مليون قتيل في الولايات المتحدة و 500.000 في المملكة المتحدة من COVID-19 في حالة لو لم يتم اتخاذ أي إجراء لإبطاء انتشار الڤيروس وتسوية المنحنى. وتنبأ النموذج بوفيات أقل بكثير إذا تم اتخاذ إجراءات الطوارئ والحجر- تدابير صارت اليوم الموقف الرسمي لعدة دول. وطبعًا مثل هذه التدابير هي خيار أمثل في بلدان لا تملك أنظمة صحية قوية ولا أسرّة عناية مركّزة كافية كما هو الحال في الشرق الأوسط. وهذه نقطة مهمة تفسّر العدد المرتفع في إيران وإيطاليا مثلًا. مع أنني أشكك تمامًا بهذه الأرقام التي خدعتني لفترة. لكن ضع في حسبانك أنني أخص في كلامي المجتمعات الغربية وأشمل الشرقية بالعبرة منه! المهم، بعد يوم واحد فقط من إعلان تدابير الحجر في المملكة المتحدة، قدّم فيرگسون تعديلات وتقديرات منخفضة جدًا مقارنةً بالتوقّعات الأولى، وهو شيء ليس عيبًا، على الإطلاق، فالعلم يقوم بتقديم نماذج قريبة تفسّر الواقع ونصححها وفق التجربة. المشكلة هي بالپروباگاندا الإعلامية عندما تقدّم هذه الأرقام بشكل يقيني أو بثقة مفرطة جدًا. النموذج الأخير توقع أن المستشفيات ستكون على ما يرام مع مرضى COVID-19 وتقدر أن حوالي 20.000 أو أقل بكثير سيموتون من الفيروس نفسه وليس 500.000! وبكل صراحة، لا نعلم عن يقين. وسواء كان ڤيركسون أو دورستن في ألمانيا، الإثنان حذران ولم يقدّما الأرقام أو التوقعات بشكل غير مسؤول، بل الإعلام والهيستيريا العالمية المهيمنة اليوم هي المتهم الأول. بالمناسبة، لماذا خدعتني أرقام إيطاليا؟ حتى تفهم كم خطيرة هي الأرقام ومعرّضة للتلاعب ولماذا الحذر :إيطاليا [60 مليون نسمة تقريبًا] يموت فيها بالمعدّل كل سنة 1٪ من شعبها. قسّم 600 ألف شخص / 365 يوم = 1700حالة وفاة باليوم الواحد! [الأرقام تأكدت منها من موقع الإحصاء الإيطالي http://dati.istat.it] إإجمالي الوفيات (+ الوفيات بسبب COVID-19) = حوالي 156.000 حالة وفاة. لو أضفنا 2000 حالة وفاة كتقدير لعدد الحالات حتى نهاية الشهر، تبقى النسبة ضمن الـ 1٪ من حالات الوفاة في إيطاليا. طبعًا أنا لم أراعي هنا حالات التوثيق الخاطئة التي تسجّل في شهادات الوفاة! لو قمنا بذلك فسنصل لعدد أقل من الرسمي، أفترض معامله 0,75 وهذا تقييم متحفّظ جدًا.
◀︎ ڤيروسات كورونا ليست جديدة وموجودة وتسبب إصابات موسمية وحالات وفاة بين البشر منذ مدة طويلة. المشكلة أننا حول العالم لم نقس دائمًا وبهذه الكثافة من قبل ولا المؤسسات الطبية تملك القدرة والوقت على القياس وعمل فحوصات مكلفة يوميًا فقط ليتأكدوا من عوارض بديهية كنزلة الـبرد التي تصيب كل إنسان تقريبًا. كما أنه يوجد أكثر من 200 سلالة من الڤيروسات التي تؤدي إلى حدوث نزلات البرد عند البشر. متى آخر مرة قاس البشر واحد منها [عدى الإنفلونزا] بهذه الكثافة كما يفعل مع SARS-Cov-2؟
والكثير من الحالات الحرجة في المستشفيات حول العالم قبل نوڤمبر 2019 والتي تنتهي بالوفاة لم يتم فحصها على ڤيروسات كورونا [مختلف الأنواع] أو غيرها، وإن تم، ففي دول قليلة، وواقعيًا لا نملك مصادر لنتأكّد. طبعًا ڤيروسات كورونا القديمة يمكن أن تكون السبب وراء عشرات الآلاف من الوفيات سنويًا عبر العالم، المشكلة هي أن الأغلبية منها لا يتم توثيقها بعد كشف دقيق، وبشكل عام نستطيع أن نفترض على الأقل أن نسبة اللادقة كبيرة لدرجة قد تقلب الموازنة.
◀︎ نحن لا نملك أدلّة كثيرة عن الڤيروس المستجد بعد ولا نملك دراسات طويلة الأمد ويمكن أن نكون مخطئين حول العديد من الأمور، مثلًا لا نعلم تحديدًا ما إذا كانت فترة الحضانة 4 أيام أو 14 أو حتى 21 يومًا، وبالتالي هنالك مستوى من اللادقة يعيقنا عن السيطرة على تفشّي الڤيروس الصيني. ونصيحتي أن لا تثق بأرقام الصين الكاذبة، لأنها المسؤول الأوّل وأخشى أن تقوم بخداع العالم مجددًا وتقديم مسرحية "عودة الحياة الطبيعية". كل شيء متوقع منهم.
◀︎ التبعات الاقتصادية أكثر كارثية: فنحن لا نعلم إلى أي مدى يمكن لهذه الإجراءات الحجرية أن تمر من دون عواقب كبيرة على الاقتصاد وبالتالي المجتمع، خصوصًا وأن الركود الاقتصادي قد بدأ منذ أسابيع ولا نعرف النهاية بعد. المشكلة أنك عندما تقيس ستجد دائمًا شيئًا ما، ومجددًا، لا أعني هنا أن كورونا لا يسبب انهيار الطاقات الاستيعابية، لأنه بالفعل سبب ذلك في إيطاليا، إيران ودول أخرى، لكن هنالك حالة من الهلع في الغرب أخشى أن تكون تبعاتها، بل هو ما بدأت أتوقعه،كارثية بمعنى الكلمة حتى تجعلنا نترحّم على جائحة كورونا.
◀︎ الإحصائيات التي جمعت لحد الآن حول عدد المصابين هي غير دقيقة بشكل كبير جدًا، ولكي تفهم اللادقة هذه، لا بد من مراعاة محدودية عمليات الكشف اليومية والتي تتباين من دولة لأخرى. وكما ذكرت قبل قليل، نحن لا نعلم ساعة الصفر، وهذه مشكلة تتفاقم بشكل كارثي في أي نموذج إحصائي يعالج نموًا أسّيًا. ببساطة لأننا لا نستطيع تحديد العدد الحقيقي للإصابات وسوف لن نعلمه، والأرقام الكثيرة التي تجدها موزعة على خارطة العالم وتستحدث بشكل يومي يمكن أن تخطئ بمعامل 10 أو 100. ولأسباب منها أننا حتى لو سلّمنا بأن الـعاشر من ديسمبر حدد أول إصابة في الصين، فنحن اليوم تجاوزنا قرايبة الـ ٤ شهور بعد تفشي الڤيروس. وأغلب الدول، بما فيها الولايات المتحدة وأغلب دول أوربا الغربية، تفتقد القدرة على إجراء فحوص ميدانية على عدد ضخم من الناس يمكن أن يحتوي العدد الحقيقي، والأخير يبقى مجهولًا لأن الكثير من البشر يصاب به دون عوارض أصلًا.
عدم اليقين هذا يجعلني أشكك بعقلانية أي قرار سياسي يطالب به اشتراكيو كورونا وكلاب الحكومات [الكاتدرائية كما يسميها مولدباگ] بتدخّل الدولة في كل شيء، وإن كنت أخص بذلك المجتمعات المتقدّمة فقط. مجتمعات الشرق الأوسط ضائعة وشعوبها غير واعية بشكل كافي لمواجهة كوارث طبية، وحكوماتها غالبًا ما تتصرّف بالمثل وتطبق الإجراءات التي يقترحها الغرب أو منظمة الصحة العالمية التي تملك العديد من المؤسسات المؤدلجة وغير كفوءة حقيقة. لكن هذه تحتاج وقفة خاصة سأعود لها في الأيام المستقبلية.
Comments