top of page

خرافة أن اختبارات الذكاء منحازة أو بلا معنى

  • ريتشارد هاير⎮ترجمة: سيف البصري
  • 25. Nov. 2019
  • 5 Min. Lesezeit

ريتشارد هاير هو عالم نفسي أمريكي اشتهر ببحوثه في مجال الذكاء على المستوى العصبي وقياس الذكاء البشري والذكاء العام. في كتابه الأخير The Neuroscience of Intelligence تناول هاير في الفصلين الأولين بعض المعتقدات الخاطئة حول دقّة الـ IQ أو مفهوم الذكاء. ومن باب الفائدة والاستدلال بالمصادر بالعربية، خصوصًا وأنني أشير إلى هذا الكتاب كثيرًا، قررت أن أترجم فقرات من الفصل الأوّل علّها تشجّع القارئ على مواصلة قراءة الكتاب. لا تفوّت فرصة مشاهدة الحلقة بينه وبين د. جوردن بيترسون حول كتابه وأبحاثه الأخيرة، خصوصًا وأن الأخير له أبحاث علمية حول الذكاء والاختبارات أيضًا.

IQ - It's a killer man!" ~JP"

د. ريتشارد هاير ـ علم أعصاب الذكاء

"معدّل الذكاء IQ هو ما يربطه معظم الناس بقياس الذكاء البشري. الانتقادات التي تدور حول الـ IQ وكل الاختبارات الذهنية كثيرة وواسعة الانتشار، وهذا الأمر مستمر منذ عقود من الزمن (ليرنر، 1980). من الجدير بالذكر أن مفهوم اختبار القدرة العقلية نشأ لمساعدة الأطفال على الحظي بتعليم خاص ومتطوّر. كذلك تجدر الإشارة إلى أن اختبارات الذكاء تعتبر واحدة من أكبر إنجازات علم النفس رغم كل التحفّظات. لنناقش هاتين النقطتين باختصار:

مناقشات مفصّلة وغنية بالمعلومات حول 10 اختبارات يمكننا إيجادها في كتابين حديثين (هانت، 2011؛ ماكينتوش، 2011).

في أوائل القرن العشرين، كان وزير التعليم في فرنسا يشعر بالقلق إزاء الأطفال الذين يعانون من انخفاض في مستوى الذكاء وضعف الدرجات. كانت المشكلة هي كيفية تمييز الأطفال الذين يعانون من "عجز عقلي" عن الأطفال الآخرين ذوي التحصيل والنتائج الضعيفة لأسباب سلوكية أو أخرى. لقد أرادوا أن يتم التمييز بشكل موضوعي عن طريق الاختبار حتى لا يتمكّن المعلّم من زج طفل إلى مدرسة خاصة كعقوبة، كما كان شائعًا إلى حد ما في ذلك الوقت.

في هذا السياق، ابتكر ألفريد بينيت ومعاونه ثيودور سيمون الاختبار الأوّل [أوّل اختبار IQ] لاختبار وتحديد الأطفال الذين ولدواعي عقلية، لا يتمكّنون من الاستفادة من التعليم المدرسي العادي. وبالتالي وُلد اختبار IQ كوسيلة موضوعية لتحديد القدرة العقلية المنخفضة لدى الأطفال حتى يمكنهم الحصول على اهتمام خاص وتمييز الأطفال الذين يتم إرسالهم عن طريق الخطأ إلى المدارس الخاصة،

ليس بسبب ضعف القدرة العقلية ولكن كعقاب على السلوك السيئ. كلا الهدفين كانا نبيلين.

الاختبار الذي ركّباه ألفريد بينيت ومعاونه ثيودور سيمون تألّف من عدة اختبارات ثانوية ملحقة صنّفت عيّنات القدرات العقلية المختلفة، مع التركيز على اختبارات الاجتهاد لأن بينيت شعر بأنهكان جانبًا رئيسيًا من الذكاء. أخضع بينيت كل طفل لكل اختبار وقاس متوسّط ​​الدرجات أو نتائج الفحص وفقًا للسن والجنس. وعليه استطاع تقييم مستوى وعمر أي طفل تبعًا لنتائج فحصه. كان هذا ما يسمّى بعمر الطفل العقلي.

عالم النفس الألماني وليام ستيرن أخذ بمفهوم العمر العقلي خطوة إلى الأمام. حيث قسّم العمر العقلي على السّن الزمني، وخرج بـ IQ يمثّل ذكاء الطفل العقلي نسبةً إلى العمر الزمني. ضرب هذه النسبة في 100 مكّن من تجنّب الأعداد الكسرية في النتائج.

على سبيل المثال، إذا كان الطفل يقرأ بمستوى يمثّل المتوسّط لمن يبلغ 9 سنوات، فإن عمر الطفل العقلي يبلغ 9. وإذا كان السّن الزمني لهذا الطفل هو 9 سنوات، فسيكون الـ IQ لهذا الطفل = 9 سنوات مقسومة على 9 = 1. الآن اضرب 1 × 100، يصبح الـ IQ =100. أما إذا كان عمر الطفل العقلي= 10، وهو يبلغ من السّن 9 سنوات، سيكون مستوى ذكاؤه: 10/9 = 1.11 الآن اضرب 1.11 × 100، سيصبح مستوى الـ IQ = 111.

الهدف من هذه الاختبارات المبكّرة هو العثور على أطفال لم يبلوا حسنًا في المدرسة مقارنةً بأقرانهم. اختبار Binet-Simon ساعد فعلًا في هذه المهمّة. ومع ذلك، هنالك مشكلة مع هذا المفهوم، وهي أن العمر العقلي غير قابل للتقييم بعد حوالي 16 سنة مثلًا. هل يمكن أن نرى حقًا الفارق بين العمر العقلي لشخص بعمر 19 سنة وآخر 21 سنة؟ نحن لا نتحدث عن النضج هنا. فالعمر العقلي لمن يبلغ من السّن 30 عامًا لا يختلف كثيرًا عن صاحب الـ 40 عامًا، ولذلك هذا الاختبار لم يكن مخصصًا للبالغين. [...] خرافة أن اختبارات الذكاء منحازة أو بلا معنى: هل أسئلة اختبار الذكاء عادلة أم أن الإجابات الصحيحة تعتمد على تعليم الفرد، الطبقة الاجتماعية وعوامل أخرى غير الذكاء؟

هل السؤال غير عادل أو متحيّز لأنك لا تعرف الإجابة؟ ماذا تعني نتائج اختبار الذكاء في الواقع؟

درجات الاختبار المنخفضة هي ببساطة نتيجة لشخص لا يعرف الإجابات الكثيرة على الأسئلة. هناك العديد من الأسباب المحتملة لعدم تمكّنك من معرفة الإجابة على السؤال: مثلًا، لم يسبق وأن تعلّمت مضمونه، أو لم تتعلم بنفسك، أو تعلمت ولكن نسيت المحتوى منذ زمن طويل، أو تعلمت ولكن أصابك الارتباك ونسيت كل شيء أثناء الاختبار. أو أنك درست بما فيه الكفاية، ولكن لم تستطع تعلمّ المضمون، أو لم تكن تعرف كيف تفهمه، أو لم تستطع أن تفهمه.

يبدو أن معظم هذه الأسباب وليس كلها مرتبط بذكاء عام بطريقة أو بأخرى. درجات الاختبار العالية من ناحية أخرى، تعني أن الشخص يعرف الإجابات. هل يهم كيف وصلت إلى الأجوبة؟ هل هو تعليم أفضل؟ أم مجرّد ذاكرة قوية؟ أم قدرة تعلّم جيدة؟

تعريفات الذكاء العام تجمع بين كل هذه الأشياء، والتحيّزات في الاختبار تشير إلى شيء آخر ومحدد: إذا كانت الدرجات في الاختبار تتنبّأ باستمرار أو تناقص أداء فعلي، فهذا يعني أن الاختبار منحاز. على سبيل المثال، إذا فشلت مجموعة من الطلّاب ذات نتائج عالية باستمرار في اختبار سات SAT [اختبار أساسي للإلتحاق بالجامعات الأمريكية] في الامتحانات الفصلية والدورية في الكلية، فإن اختبار SAT هنا منحاز، لأنه يبالغ في التنبّؤ بنسب نجاح عالية. وبالمثل، إذا كان الأشخاص ذوي درجات منخفضة في اختبار SAT ويتفوّقون باستمرار في امتحانات الكلية، فإن الاختبار منحاز ويتنبّأ النجاح بمستويات منخفضة. لكن الاختبار ليس منحازًا بطبيعته لمجّرد أنه قد يظهر فرقًا متوسّطًا بين مجموعتين. على سبيل المثال، قد يكون لاختبار القدرة المكانية [القدرة على استيعاب وتفسير وتذكّر العلاقات المكانية فيما بين العناصر والمساحة] متوسطًا متباينًا بين الرجال والنساء، لكن هذا لا يجعل الاختبار منحازًا. إذا تنبّأت درجات الاختبار بالقدرة المكانية للرجال والنساء بشكل متساو، فلن يكون الاختبار متحيزًا حتى لو كان هناك تباين في المتوسّط!

فلكي يكون الاختبار متحيزًا، يجب أن يكون هناك فشل مستمر في التنبؤ بالاتجاه الخاطئ. عدم وجود أي تنبؤ بنتيجة ما ليس تحيزًا أيضًا؛ بل يعني أن الاختبار غير صالح وفاشل.

هنالك بحث مرموق في الأوساط المتخصصة للأستاذ الجامعي أرثر جينسن حول التحيّز في الاختبارات العقلية (Bias in Mental Testing) والذي بجانب أبحاث أخرى حديثة ينفي التحيّزات المزعومة.

درجات اختبار الذكاء تتنبّأ بدقة كبيرة بالنجاح الأكاديمي بغضّ النظر عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية والعمر والجنس والعرق والمتغيّرات الأخرى. النتائج تتنبّأ أيضًا بالعديد من المتغيّرات المهمة الأخرى، بما في ذلك خصائص الدماغ كـ سمك الطبقة القشرية أو معدّل الأيض السكّري في الدماغ، كما سنشرحه بالتفصيل في الفصلين الثالث والرابع.

إذا كانت نتائج اختبارات الذكاء لا معنى لها أو غير "دقيقة" على حد تعبير البعض، فلن يتنبأوا حينها بأي قياسات أخرى، خاصة خصائص الدماغ القابلة للقياس الكمّي. لا يوجد اختبار دقيق بنسبة 100 ٪ في تنبؤاته، ولكن السبب الذي يدفع أغلب علماء النفس لاعتبار اختبارات الذكاء إنجازًا كبيرًا هو لأن الدرجات التي تخرج بها تلك الاختبارات هي تنبّؤات جيدة جدًا للنجاح في العديد من المجالات، بل في بعضها تتنبّأ نتائج الاختبارات بالنجاح بشكل عالي جدًا ودقيق!

Comments


bottom of page