التطوّر التقني والتحرر من هاردوير الجسد هو مرحلة طبيعية، لا انقلاب على الطبيعة
- سيف البصري
- 25. Nov. 2019
- 3 Min. Lesezeit
البارحة أكملت كتاب Life 3.0 لـ Max Tegmar والذي اعتبره أفضل كتاب قرأته في هذه السنة وأفكّر جدّيًا في ترجمته لو حصلت على حقوقه.

هنالك الكثير من الفقرات التي أريد أن أعقّب عليها وأستهلّها بمقطع يوضّح فكرة الكتاب ببساطة وبخيال شيّق:
"الحياة 1.0: هي الحياة التي يتطوّر فيها كلا من السوفتوير والهاردوير بدل أن تُصمّم، كالبكتيريا التي احتاجت إلى مليارات ومئات ملايين السنين كي تتطوّر ومازالت بحاجة إلى أن تطوّر خليّتها وبرامجها الحيوية. أنا وأنت، من ناحية أخرى، مثالان على كائن حي 2.0: كائن تطوّر هاردويره، ولكن برامجه/عقله [السوفتوير] مصمّم إلى حد كبير. بالـ سوفتوير أعني جميع الخوارزميات و"المعرفة" التي تستخدمها لمعالجة المعلومات من حواسك وتحديد ما يجب فعله ـ كل شيء بدءًا من القدرة على التعرّف على أصدقائك عندما تراهم إلى قدرتك على المشي والقراءة والكتابة والحساب، والغناء وسرد النكات. أنت لم تكن قادرًا على أداء أي من تلك المهام عندما ولدت طفلًا، لذلك تم برمجة كل هذه القدرات في عقلك لاحقًا من خلال ما نسميه نحن البشر بالـ تّعلم. وبينما تم تصميم منهج طفولتك إلى حد كبير من قبل عائلتك والمعلمين الذين يقررون ما يجب أن تتعلمه في صغرك وما يجب كسبه من مهارات، فإنك تحصل تدريجيًا وبمرور الزمن على المزيد من القوّة والخبرة لتصميم سوفتويرك الخاص.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أقوى التقنيات التي نمتلكها اليوم، تظل جميع أشكال الحياة التي نعرفها محدودة بشكل أساسي بالجسد البايولوجي ـ الهاردوير. لا يمكن لأي شخص أن يعيش لمدة مليون سنة، أو يحفظ كل معلومات ويكيبيديا، أو يفهم كل العلوم المعروفة، أو يستمتع برحلات الفضاء بدون مركبة فضائية. لا أحد منا يستطيع تحويل كوننا الخالي من الحياة إلى فضاء حيوي متنوّع يزدهر لمليارات أو تريليونات السنين، مما يمكّن الكون من استثمار أقصى إمكاناته والصحو بشكل كامل من سباته.
كل هذا يتطلّب أن تخضع الحياة لترقية نهائية، إلى الإصدار 3.0 من الحياة. كائن حي لا يمكنه تصميم سوفتويره فحسب، بل تصميم الهاردوير أيضًا. بعبارة أخرى، فإن الحياة 3.0 هي سيدة مصيرها، وأخيرًا خالية تمامًا من قيودها التطورية."
عندما أكملت الكتاب شعرت بأنني بحاجة ماسة إلى معالجة بعض النقاط التي كانت في ذهني سابقًا، كذلك تنبيه القارئ على نقطة مهمة سبق وأن ناقشتها في السابق: وهي أن التقنية أداة تطوّرية، لا فوقـ تطوّرية. عندما أصف نفسي بالطبيعي، فأنا أنسب نفسي منطقيّاً إلى الطبيعة الأم. وبالطبيعة الأم لا أقتصر في الوصف على الكرة الأرضية التي تحتضن الحياة هذه المبنية على الكاربون، بل على الكون ككل. التطوّر التقني القادم أو الوصول إلى مرحلة التفرّدية التقنية هو الخطوة الطبيعية القادمة.
نحن مازلنا أسرى لجسدنا [الهاردوير] الذي يهرم ويمرض ويكتئب ويتكاسل ويتألّم. التخلّص منه قضية زمنية، لا أكثر. وأنا شخصيًا أميل إلى الجانب الذي يرجّح حدوث ذلك في هذا القرن. نحن الآن محدودون في قدرتنا على التواصل مع بعض بلغات محدودة ونتبادل المعلومات بسرعة بطيئة جدًا مقارنةً بالكمبيوترات، ولكن لك أن تتخيل لو دمجنا قدراتنا تلك بالقدرات الرقمية أو أصبحنا بسرعة معالجة معلوماتية تمكّننا من ربط بعض أجزاء الدماغ بشرائح رقمية ومعالجة كتاب كامل خلال دقائق معدودة. أو تعلّم لغات خلال ساعات فقط. ومع أنني لا أعوّل على جسد الإنسان، إلا أن عملية الدمج قد بدأت منذ عقود! ما أعوّل عليه فعلاً وأتوقّع حدوثه وأجده الاستراتيجية الأمثل، هو التحرر من الهاردوير، كما في نوع الحياة 3.0 التي يصفها تيگمارك في كتابه. أنا لست trans.humanist لعدة أسباب، بدءاً من الجزء الثاني من الكلمة humanist، الأيديولوجية التي تؤمن بالوهم بأن الإنسان سيتفوّق على الطبيعة الأم يومًا ما ويتجرّد منها. والسبب الآخر أنني كـ طبيعي أثق بهندسة الطبيعة الأم وأنظر إلى المرحلة القادمة من التطوّر التقني كخطوة طبيعية ضمن هرمية التعقيد في الذكاء والتناسق الذرّي. تخيّل فقط أن قدرة الكون على دعم تطوّر الذكاء تقدّر بـ 10⁹⁰ عملية حسابية في الثانية، من الطبيعي أن تكون المرحلة القادمة مقارنة بالعمليات الحسابية التي يقوم بها الكمبيوتر أعلى بكثير، حيث تصل حاليًا إلى 4x10¹⁸ عملية حسابية في الثانية الواحدة! ربما لن ننجح نحن ـ ككائنات مصفوفة ذرّيًا بشكل يعتمد على ذرّات الكاربون ـ في ذلك، لكن الكمبيوترات القائمة على أساس السيليكون هي حتمًا أقرب إلى ذلك.
Comments