الفلسفة الرواقية حول الإصلاح الاجتماعي و سعادة الفرد
- ويليام بـ إيرڤاين – ترجمة: سيف البصري
- 11. Feb. 2016
- 4 Min. Lesezeit

في الوقت الذي عاشوا فيه، أدرك الفلاسفة الرواقيون أن الحكومات يمكن أن تظلم مواطنيها، بل و تتمادى. في الواقع و للأسف، شهد الرواقيون الرومان أحداث عديدة عوقبوا فيها ظلماً من قبل السلطة المهيمنة آنذاك. و مع أن موقفهم تجاه وجوب محاربة الظلم الاجتماعي يشابه موقف المصلحين الاجتماعيين في عصرنا الحديث، إلا أنه يغاير مفهوم الإصلاحيين الحديث حول مفهوم النفسية الإنسانية.
على وجه الخصوص، لا يعتقد الرواقيون أنه من المفيد للأفراد أن يعتبروا أنفسهم ضحايا المجتمع أو ضحايا أي شيء آخرـ لسبب وجيه:
إذ كنت تعتبر نفسك ضحية، فأنت على الأرجح سوف لن تحظى بحياة سعيدة و صالحة، في حين لو رفضت أن تفهم ذاتك كضحية، و أبيت خضوعها للهزيمة أما الظروف الخارجية التي تتحكّم بزمام حياتك، فمن المرجّح أن تعيش حياة أسعد، بغضّ النظر عن ما تحوكه الظروف الخارجية لمستقبلك.
بكلمات أخرى، يعتقد الرواقيون أنه من الممكن للإنسان أن يلتزم الصفاء و الهدوء حتى و إن انقلبت عليه الأمور سلباً في محاولة إصلاح المجتمع الذي يعيش فيه.
قد يكون في وسع البعض أن يتحكّم بمصيرك، ما إذا كنت ستعيش و أين، لكن لن يكون في وسعهم تدمير حياتك. أنت فقط من يملك زمام الأمور بتدمير حياتك لو توقّفت عن العيش وفقاً للقيم الفاضلة [الرواقية تعرّف نفسها كفلسفة عملية أخلاقية و أسلوب في الحياة يقوم على العمل المطابق للعقل و يجري بمقتضى قوانين الطبيعة، فالحياة يجب أن تعاش وفق الطبيعة، و هذا هو أنموذج كل إنسان عاقل. كما تدعو لفضيلة أخلاقية حسنة غايتها الولوج إلى استقرار داخلي و هدوء يجرّد الإنسان من انفعاليته و يحجّم من لاعقلانيته في رسم ملامح حياته و أهدافه. فالفضيلة على حد سواء شرط ضروري وكافي لتحقيق السعادة في حياة المرء. و كل ذلك يتجلّى من خلال الانضباط النفسي و إدراك القصور الذاتي. الفلسفة في الرواقية هي محبة الحكمة و ممارستها، و الحكمة هي العلم بالأشياء و إدراك القصور و القدرات و ما نسيطره عليه و ما هو خارج عن سيطرتنا. إذن التناغم الثلاثي بين العلم الطبيعي، الأخلاق و المنطق يجسّد الأبعاد الثلاث لهذه الفلسفة].
الرواقيون آمنوا بالإصلاح الاجتماعي، لكنهم في نفس الوقت آمنوا بالتحوّل و الارتقاء على النحو الشخصي. بتعبير أدق، ظنّوا أن الخطوة الأولى في تحويل المجتمع إلى محيط يعيش فيه الأفراد حياة سعيدة و صالحة، هي تعليمهم أن يستمدّوا سعادة تعتمد في جوهرها على أقل قدر ممكن من الظروف الخارجية. الخطوة الثانية في إصلاح المجتمع هي تغيير الظروف الخارجية للناس و استهداف مصدر البؤس.
حيث إذ فشلنا في الارتقاء بأنفسنا، فحينها لن يصبح إصلاح المجتمع الذي نعيش فيه كافياً، لأننا على الأرجح سوف لن نتمكّن من الاستمتاع بحياة سعيدة.
على مر التاريخ و المذاهب الفكرية، تم إقناع الكثير، أن السعادة هي شيء يمنحه شخصاً آخراً لنا; سواء كان معالجاً، راهباً أو سياسياً. الرواقية ترفض هذه الفكرة تماماً. فهي تعلّمنا أننا مسؤولون لدرجة كبيرة عن سعادتنا و في نفس الوقت عن تعاستنا. فعندما نفترض حيازة المسؤولية عن سعادتنا، سنمتلك حينها فرصة معقولة لكسب السعادة تلك. هذه النقطة تحديداً من الصعب أن يقتنع بها شخص مؤدلج سياسياً.
علم النفس الحديث و السياسة لم يكنا الوحيدين في قسوتهما على الرواقية، فالفلسفة الحديثة لعبت دوراً سلبياً أيضاً. قبل القرن العشرين، كان من المحتمل جداً لمن درس و طالع الفلسفة، أن يكون قد تطرّق للفكر الرواقي. أبان القرن العشرين، لم يفقد الفلاسفة الاهتمام بالفلسفة الرواقية فحسب، بل كذلك في أغلب الفلسفات الحياتية.
أحد الأسباب التي دفعت الفلاسفة لفقدان الاهتمام في الرواقية – في العقود الأولى من القرن العشرين تحديداً – هي النظرة السائدة آنذاك بأن العديد من الألغاز الفلسفية التقليدية قد نشأت بسبب استخدامنا الطافح للـلغة. ما ترتّب عن ذلك لاحقاً هو أن أغلب محاولات الفلاسفة قد تمحورت حول حل الألغاز الفلسفية، لا بملاحظة طبيعة الإنسان – كما تحاول الرواقية – بل عن طريق التفكير بعناية حول اللغة و كيفية استخدامها.
مع زيادة التركيز على التحليل اللغوي، نمى الاعتقاد السائد – خصوصاً من جانب الفلاسفة الذين يمارسونها كمهنة – أنه ببساطة ليس من شأن الفلسفة أن تملي على للناس كيفية عيش حياتهم.
لو كنت قد ذهبت إلى أپيكتيتوس و سألته: "أريد أن أعيش حياة سعيدة. مالذي علي أن أفعله؟“، سيكون جوابه حينها:
"عش بالتناسق مع الطبيعة" و سيشرح لك حينها بقدر كبير من التفصيل، أين تبدأ و كيفية القيام بذلك.
على النقيض من ذلك، لو ذهبت إلى فيلسوف تحليلي في القرن العشرين، و طرحت عليه السؤال نفسه، فردّه سيكون على الأرجح لا من باب الإجابة على السؤال الذي سألته، و لكن من خلال تحليل السؤال نفسه: „الجواب على سؤالك يعتمد على مفهومك للـ "الحياة السعيدة"، و الذي بدوره يعتمد على ما تعنيه بـ "حياة" و "سعيدة".
بل من الممكن أن يتفكّر كل الأشياء التي يمكن أن تطابق تصوّرك للسعادة و يفحص السؤال مجددا حول الغاية و الوسيلة، حتى ينتهي به المطاف في تحليل التشوّش المنطقي ضمن السؤال نفسه. استنتاجه: لا معنى من طرح سؤال عن كيفية عيش حياة طيّبة. عندما يكون هذا الفيلسوف قد أنهى كلامه، فمن الممكن أن تعجب بموهبته في التحليل الفلسفي، لكنك قد تستنتج أيضاً و لسبب وجيه، أنه هو نفسه يفتقر إلى فلسفة متناسقة للحياة.
لذلك تجد الرواقيون لا يفهمون واجبهم الاجتماعي من باب التضحية، بل كنتيجة لممارسة الرواقية و إدراك حيّزهم و دورهم في المجتمع و فق قدراتهم و فرصهم، و عليه يقوم الفرد بكل بساطة بما يتطلّباه العمل و التماسك الاجتماعي.
إذا كان هذا يبدو غريباً عليك، تأمّل قليلاً في طبيعة الواجبات التي تنطوي عليها الأبوّة و الأمومة. الآباء و الأمهات يفعلون الكثير من الأشياء لأطفالهم، لكنهم لا ينزعجون من واجبهم التربوي باعتباره مهمّة مرهقة تتطلّب التضحية التي لا نهاية لها. على عكس ذلك، فستجدهم – دون التعميم المطلق – يستمتعون بحقيقة أن يكون لديهم أطفال و أنهم بحوزة القدرة على إحداث فرقاً إيجابياً في حياتهم.
الرواقيون ليسوا وحدهم في ادعاء أن أفضل أمل لدينا في كسب السعادة هو أن لا نعيش حياة الانغماس بل حياة الانضباط الذاتي. فهناك أطروحات مماثلة تناولتها فلسفات أخرى، بما في ذلك المدرسة الأبيقورية و الشكوكية، بل حتى في العديد من الديانات، بما فيها البوذية، الهندوسية، المسيحية، الإسلام و الطاوية.
السؤال هو، كما أعتقد، ليس حول ما إذا كان الأفراد المنضبطين ذاتياً و الوعين بالواجب الاجتماعي أقرب لأن يحظوا بحياة سعيدة و ذات مغزى، بل حول ما إذا كان أولئك الذين يفتقرون إلى ضبط النفس و الذين هم على قناعة بأنه ليس هنالك ما هو أكبر منهم، قادرون على الحظي بحياة كهذه.
Comments