top of page

٥ نقاط في تهذيب الذات و تطبيق قيم الفلسفة الرواقية في حياتك اليومية

  • سيف البصري
  • 8. März 2016
  • 4 Min. Lesezeit

١) ابحث عن هدفك و تعمّق في غرض وجودك في الحياة و راجعه بين الحين و الآخر

هذا هو جوهر الفلسفة الرواقية – أن تعيش حياة ذو هدف و معنى يتمحور حوله. إذا كنا لا ندرك في صميم ذواتنا ما نريد أن نزرع و نحقق في حياتنا، ستنتهز حينها آلاف الأجندات و الأيديولوجيات الفرصة و تستولي على انتباهنا و تشغلنا عن ما نريد تحقيقه. في نهاية المطاف سترى أنك قد عشت من أجل مصالح الآخرين و مطالبهم بدلاً من مصالحك و بعيداً عن لعب دورك الذي طمحت إليه.

أي منحى تتمنى لحياتك؟ الأب الحنون الطموح؟ الأم الحنينة المربّية؟ الشريك المخلص؟ الناشط الملتزم أو الفنان المبدع؟ أم القائد الواعي لمسؤوليته؟

لربما لو سألت نفسك، أي إرث تود أن تتركه خلفك؟ ستسهل عليك الفكرة.

فكومة من المال هي ما جمعته، لا ما صنعته. سواء تربية طفل صالح و في صحة جيدة أو المساهمة في فعل أو مشروع أو فكرة تعود بالخير على المجتمع، كلها أشياء تنجزها و تهدف إليها و هنا يكمن الفرق.

٢) تعلمّ الامتنان

أي نوع من ممارسة الامتنان لما تملك، لما تحظى به و لما يجلب لك السعادة، سيزيد من شعورك بالراحة، سيجعلك أقرب لمن تحب و أكثر تواضعاً في رغباتك و أرق في تعاملك مع ما تملك و من تحب.

فالرواقية تذكّرك بأن الحياة ميزان ما بين الشدائد و الرغائد، و أن كل شيء فان و ما تتبقى هي اللحظة التي ندرك فيها ذواتنا، نتأمّل أثناءها وجودنا و نشارك فيها أي شعور أو وقفة مع الآخرين أو مع أنفسنا.

فالإنسان، خصوصاً في عصر الاستهلاك المفرط و التنافس المادي على مستوى الأفراد، يميل إلى البحث عن السعادة في السراب، في السعي وراء اللهو و الاستهلاك المادي النرجسي. لا عجب أن الأنظمة الاقتصادية اليوم تتنافس بشراهة على إقناعك بأنك بحاجة إلى الاستهلاك المفرط و تملّك كل ماتريد لتحصل على ما يتم تغليفه بالسعادة.

انظر حولك الآن، ماذا تملك؟ ماهي حاجياتك التي تملكها و التي ستفتقدها بشكل كبير لو فقدتها فجأةً؟

هل أنت “بحاجة“ لكل ما تقتنيه فعلاً؟ أم هل أنت بحاجة للمزيد لكي ترتاح أكثر؟ برأيك، هل سينتهي الأمر لو اشتريت جهازاً تقنياً حديثاً؟ مالذي ستفكّر به بعد سنة؟

هل أنت ممتن لما تملكه؟ و هل أنت ممتن لأنك تملك عائلة، أخ، صديق، زوجة و بنت؟ هل تأمّلت إمكانية خسارة أحدهم أو حتى جميعهم غداً؟

٣) تعلّم أن تعيش وفق حدود الممكن

الفكرة هنا لا أن نعزل أنفسنا عن الآخرين أو نرفض العيش أو التعاون مع المحيط الاجتماعي، بل أن ندرك حجم طاقاتنا، وفرة المصادر و ضيق الوقت. التظاهر بخلاف ذلك هو الوهم بعينه.

تخيّل العيش وفق حدود و ضوابط بمثابة إدارة أعمالك الشخصية و استثماراتك الوقتية. نعم تماماً هذا ما أقصده، أن تتعامل مع وقتك بحرفية أكبر و بعملية أشمل. فإذا كنت تستهلك كل وقتك و طاقتك في المكان الخطأ أو العواطف الغير مفيدة، كالغضب و الاستياء و القلق، فمالذي سيتبقى فعلاً لهواياتك، طموحاتك، تأمّلك و الأشخاص المهمين في حياتك؟

لذلك، انظر في علاقاتك الاجتماعية بين الحين و الآخر، اصقل علاقاتك و ابتعد عن تلك التي تستهلك وقتك و تغيّم عليك بشكل سلبي و انتقي تلك التي تحفظ توازنك في محيطك. لا تخشى أن تنتقي تلك التي تديم رباطة جأشك و تمدك بالتوازن الاجتماعي. أنت كائن اجتماعي، هذا جزء من طبيعتك. فأنت دائماً جزء من كل، إبن من عائلة، فرد من مجتمع، موظّف من دائرة، مدرّس من مدرسة، طبيب من مستشفى، قائد من أمة، دائماً لك و عليك.

٤) كل ما تملكه هو اللحظة، لا الماضي و لا المستقبل

يقول الفيلسوف الرواقي سينيكا:

“السعادة الحقيقية تكمن في التمتّع بالحاضر، دون القلق على المستقبل، و ليس المقصود هنا تسلية أنفسنا مع أي آمال أو مخاوف ممكنة، بل الامتنان و الرضا عن ما نملك. فإن أعظم النعم البشرية هي في داخلنا و في متناول أيدينا. فالرجل الحكيم تجده راضٍ عن كثيره، مهما كانا حجمه و طبيعته، دون أن يتمنى ما لايملك.“

جوهر الفكرة الرواقية هنا هو أننا يجب أن نتعامل مع الماضي بشكل أشبه بالإيمان بالقدر. أنت لن تغيّر من الماضي، فلما تغضب أو تقلق؟ اترك الماضي خلفك، عش اللحظة الآن و تأمّل و ازرع لمستقبل أفضل من ماضيه.

٥) تعلّم الانضباط

لا أعتقد أنني أثير الجدل هنا عندما أزعم بأن المجتمعات الحديثة قد طغت فيها الليونة. نعم، تأقملنا مع الطقس، أصبحنا نستخدم وسائل النقل السريعة و الآلية في كل صغيرة و كبيرة، تعوّدنا على التسوّق السريع و المطاعم الجاهزة، الماء النقي، الاستحمام الدافئ في أي وقت و السهر أمام التلفاز أو في شبكات الإنترنت لساعات طويلة. هذا الشيء جعل الكثير يهمل جسده و يتشبّث بكل وسيلة راحة متوفرة، الشيء الذي جعلنا أكثر عرضة للأمراض، السمنة العزلة، الاعتماد الشبه كامل على الروتين و التكنولوجيا و بالطبع الليونة في التأقلم مع ظروف الحياة القاسية التي تمر بالكثير. فراحة البال في راحة الجسد، و رشاقة العقل الحكيم في رشاقة جسده. و عليه، فالخروج من مستنقعات الراحة و المواضبة على القيام بنشاط يحفّز الجسد على الحركة و يبعدك عن مصيدة الروتين، سيجعلانك أكثر مرونة في التأقلم و أكثر كفاءة في استثمار وقتك.

فالانضباط يقمع النزعات السلبية و الكسل، و يحفّز قوة الإرادة و العزم و التحكّم في النفس و عدم الانصياع للأهواء، لأن هذه الخصال هي خصال مهّدت الطريق لمن سبقنا من حكماء الأجيال السابقة للوصول إلى الحكمة و السكينة. بكل بساطة الانضباط هو ميمة ناجحة أثبتت أهميتها عبر الحضارات و الأجيال، لذلك لا تستخف بها، بل طبّقها في حياتك و ابني عليها ركيزة لمستقبل أنجح.

bottom of page