المسؤولية و ردود أفعالنا: لماذا خياراتنا هي الشيء الوحيد الذي يهم؟
- Stephen Hanselman⎮ترجمة: سيف البصري
- 31. Okt. 2016
- 3 Min. Lesezeit

"لقد نسي الناس هذه الحقيقة"، قال الثعلب. "و يجب عليك أن لا تنسى ذلك. ستصبح مسؤولاً إلى الأبد عن ما روّضته. أنت مسؤول عن زهرتك"
أنطوان دي سانتـأكزوبيري ـ قصة الأمير الصغير
كل يوم يمر و نحن نروي لأنفسنا قصصاً عن الأسباب التي جعلت الأمور على ما هي عليه. ننفق معظم اليوم في التباكي على حالنا و ظروفنا، نتفّكر و نسحن الجناة باحثين عن من يملئ فراغ المسؤول عن المكان التعيس الذي نجد أنفسنا فيه، أو حتى القلق بشأن ما نخشاه في المستقبل. نحن بكل بساطة نؤذي أنفسنا عندما نقوم بذلك.
المشكلة في هذا الأسلوب في قضاء الوقت هو أنه يشغلنا عن الحاضر و اللحظة الآن، عن المهام الأخرى الممكن استتمامها بدلاً عن التذمّر، و عن الخيارات التي لا يسع لاحد غيرنا اتخاذها. لأن هكذا قرارات تصيغ الأفعال التي تجسّد جوهر مشاركتنا في الحياة الجيدة.
نحن سوف لن نحظى بالسعادة، طالما تخلينا عن مسؤوليتنا تجاه خياراتنا الآن و في كل لحظة ندركها. فخياراتنا تحكم ردود أفعالنا، و الأخيرة هي كل ما نملك من نفوذ و قدرة في كل لحظة. معظم ما يحدث أو سيحدث في الحياة هو خارج عن سيطرتنا، كما يذكّرنا الحكيم الرواقي:
"إن المهمة الرئيسية في الحياة هي ببساطة: تعريف و عزل الأمور بحيث أستطيع أن أقول بوضوح لنفسي ما هي تلك الظواهر التي لا تخضع لإرادتي، و تلك التي تطوع للخيارات التي أتحكّم بها. أي، أين تحديداً أبحث عن الخير و الشر؟
لا في الأحداث التي لا يمكن السيطرة عليها، بل في داخل ذاتي، في خياراتي.."
تحمّل مسؤولية خياراتنا في كل لحظة ليس أمراً سهلاً، فغالباً ما يكون المسار شائكاً و نناوره بشكل أخرق.
لكن من خلال التركيز، الصفاء في أفكارنا و تبديد مخاوفنا و استقامة سلوكياتنا، يمكننا أن نصبح مسؤولين عن "الزهرة" في حياتنا. جميع المشاكل الأخرى التي تواجهنا في الحياة، يجب أن نضعها في مكانها الصحيح حتى نجيد التعامل معها. فلا يمكن أن نسمح لأنفسنا بالغرق في الشكوى و التخلّي عن ما في حوزتنا. الفيلسوف الحكيم ماركوس أوريليوس لديه نصيحة لنا حول هذه النقطة:
"إن كان ذلك الخيار مريراً، فاحجم عنه! هنالك شوك على الطريق؟ فابتعد! مالفائدة من تأمّل وجود "الإزعاج" نفسه؟ إن مثل هذا التفكير يجعلك أضحوكة، تماماً كما سيضحك النجّار أو الإسكافي لو أشرت أمامهم على نشارة الخشب و الرقائق على أرضية متاجرهم. في النهاية يملك أصحاب المتاجر صناديق قمامة للتخلّص منها، و الطبيعة لن تجد حاجة فيها" ماركوس أوريليوس ـ تأمّلات
صورة ماركوس أوريليوس عن متجر الحرفيين و عن صندوق القمامة بسيطة و تستطيع مساعدتنا في استيعاب الواقع و دحي العثرات. الطبيعة لديها وسيلة فعّالة لمعالجة كل الأمور، لكن في بعض الأحيان، علينا استخدام المكنسة و القيام ببعض التنظيف! في الواقع، فإن الغرض الجوهري من الفلسفة يتجلّى ـ كما يفهمه الرواقييون ـ في كونه وسيلة لتنظيف نفسياتنا [أرواحنا]، يقول الفيلسوف سينيكا:
"عندما تُمارَس الفلسفة مع غطرسة و عناد، فهي تكون السبب في خراب الكثير. دع الفلسفة تمرث [تَحكّ] أخطاءك، بدلاً من أن تكون وسيلة في شجب أخطاء الآخرين".
سينيكا ـ رسائل أخلاقية
تحمّل المسؤولية الكاملة في تنظيف الفوضى التي أحدثناها، بدلاً عن الانخراط في محاولات آسنة و بدون جدوى للعثور على جاني نرمي عليه ثقل أخطائنا، هي فضيلة تحرّر من يتحلّى بها. ماركوس أوريليوس دائماً ما يعود في نصوصه إلى نفس هذه النقطة عن قدرة التدبير العقلية التي نمتلكها جميعاً:
"أدرك أخيراً أن بداخلك شيئاً ما أقوى و أكثر بهاءً من الأشياء التي تولّد شتى الانفعالات التي تحرّكك بخيوطها كالدمية. ماذا لديك الآن في عقلك في هذه اللحظة بالضبط؟ هل هو خوف؟ شك؟ رغبة؟ شيء آخر من هذا الصنف؟“ من كتاب "تأمّلات"
عندما نحرّر أنفسنا من وهم السيطرة على الأحداث، و نعدل عن التأوّه من نتائج حياتنا، و إلقاء ظلال مخاوفنا على ما قد يحدث في المستقبل، فقط حينها يمكننا التركيز على اللحظة الراهنة و تأمّل الخيارات القوية التي بحوزتنا لتغيير تفكيرنا و سلوكنا. الأمر يحتاج إلى شجاعة و ضبط للنفس و ترويض للخوف. فقط حينها، كما يقول أبيكتيتوس، نبلغ السبيل الوحيد للحفاظ على سلامة قلعة أرواحنا:
"إنها الأحداث نفسها هي التي تثير الخوف عند شخص ما، في حين، عند آخر لديه سلطة عليها أو يستطيع منعها، تجده قادراً على إلهام الخوف نفسه. كيف دُّمِرت القلعة؟ ليس بالحديد أو النار، لكن عن طريق البصيرة. هنا هو المكان الذي يجب أن نبدأ منه، من هذه الجبهة تحديداً يجب علينا اغتنام القلعة و التخلّص من الطغاة [الخوف]"
أبكتيتوس، المحادثات
إذن، خياراتنا و ردود أفعالنا هي مسؤوليتنا الوحيدة. فالاختيار هو الانضباط الذي يزهر حديقة حياتنا.
Comments