top of page

هل كان بيرتراند راسل رواقياً؟

  • سيف البصري
  • 3. Nov. 2016
  • 2 Min. Lesezeit

سؤال فطين طرحه صديق في الإنترنت ولعل الجواب سيفاجئك!

على العكس، انتقد الرواقية بشكل غير مباشر، والسبب هو خلطه بين مفهوم "الفضيلة" عند الرواقيين ومفهومها في المسيحية.

راسل يقرّ بتأثير الرواقية على المسيحية، لكنه لم يكن من مؤيدي بناء مجتمع وفق فكرة الفضيلة كمصدر للأخلاق.

هو يجد أن تركيز المسيحية على فردانية الروح قد أثّر بشكل عميق على المفاهيم الأخلاقيات عند أغلب الطوائف المسيحية. وهنا يجد تشابه اجتماعي ـ سياسي بين بزوغ الرواقية والمسيحية. الإثنتان وِلدتا في ظروف اجتماعية لم يكن فيها من الفطنة أن تعوّل على الآمال السياسية، ولذلك انصب التركيز على الفرد وخلاصه. لكن الخلط الذي يقع فيه راسل هو آخر.

الدافع الطبيعي للإنسان الخيّر والنشط هو فعل الخير، لكن عندما يفتقد لسلطة التغيير السياسي على أرض الواقع، يلجأ حينها إلى الذات ويتمركز اهتمامه حول صقل نفسه كبديل عن فعل الخير. هذا الأمر، كما يفهمه راسل، قد مهّد لمفهوم القداسة الشخصية [الموجود بالفعل في المسيحية] وشغل الناس عن "الفضيلة الاجتماعية". أحد أسباب امتعاضه هو أنه يجد المسيحيين يدينون الزاني أكثر من السياسي المرتشي مثلًا، وهو يجد في الأخير مشكلة أكبر. فقدان أهمية الصالح العام والسعي إلى الفضيلة عن طريق المجتمع، هو ما يخشاه راسل تحديدًا ولا يجده مناسبًا للتمهيد لمجتمع ذو توازن سياسي عادل.

رغم أنه محق في نقد مفهوم القداسة، ولا بد من التنويه إلى أنه انشغل بنقد المسيحية أكثر من غيرها، إلا أن ميزة الرواقية هي أنها تكيل بعدالة بين حرية وواجبات الفرد وبين حرية وواجبات المجتمع.

كدليل على ما أقول، ماركوس أوريليوس يقول في كتابه "تأمّلات":

"كيف تفهم خيرك الخاص؟ عاشق الشهرة، يجعل خيره في استجابات غيره، وعاشق اللذة يجعل خيره في خبرته السلبية، أما الحكيم، فيرى خيره في أفعاله"

هنا يقتضي الولوج إلى الفضيلة أولاً، ضبط الأفعال الشخصية والبدأ من الفرد كنواة. أي من الصغير إلى الكبير.

في نفس الوقت، يذكر أوريليوس:

"هل فهمي قادر على تلك المهمة أو لا؟ إذا كان قادراً، فسوف استخدمه كأداة للعمل وهبتني إياها طبيعة "الكل". وإذا لم يكن، فإما سوف أتنحّى عنها وأتركها لمن هو أقدر عليها مني، أو إذا لزم الأمر، سوف أحاول أن أنفّذها قدر ما أستطيع، بالاستعانة بمن يمكنه، وبالتعامل مع عقلي الموجِّه، أن يحقق ما هو ملائم للمجتمع في هذه اللحظة المحددة و المفيد للصالح العام. وأي كان ما أفعل، بنفسي أو مع غيري، فينبغي أن ينصب على شيء واحد: ما هو مفيد وملائم للمجتمع" كما هوا وضح، وهنالك أمثلة أخرى عن أبيكتيتوس وسينيكا مثلًا، فإن الرواقية تحاول خلق توازن داخل الفرد بشكل يتناسق بطبيعته مع الصالح العام، دون تضحية أحدهما. التناسق و النظام. هذا ما آمن به الرواقيون، أي أن لنا دور وواجبات تجاه المجتمع وتجاه أنفسنا. وهنا الفارق الجوهري عن المسيحية أو غيرها.

bottom of page