top of page

الاستمناء: هل الإفراط فيه مفيد فعلاً؟ [للذكر]

  • سيف البصري
  • 5. Jan. 2017
  • 7 Min. Lesezeit

الصورة للفنان أليكساندر كابانيل [1892] أونان والعادة السرية.. وثمار الأرملة اللعوب الصورة استوقفتني في كتاب قرأته قبل عامين عن تاريخ الجنس في اللوحات الفنية في مختلف الثقافات. الرجل في الصورة هو أونان، شخصية من التوراة ورائد العادة السرية عند الرجال في العالم القديم، فهو أول من مارسها أمام أرملة أخيه بعد أن رفض مضاجعة أرملة أخيه وتحبيلها بنسل قريب من نسل زوجها كما كان سائداً، حيث جاء في سفر التكوين من العهد القديم من الكتاب المقدس ٨:٣٨ [٨ فَقَالَ يَهُوذَا لأُونَانَ: «ادْخُلْ عَلَى امْرَأَةِ أَخِيكَ وَتَزَوَّجْ بِهَا، وَأَقِمْ نَسْلاً لأَخِيكَ». ٩ فَعَلِمَ أُونَانُ أَنَّ النَّسْلَ لاَ يَكُونُ لَهُ، فَكَانَ إِذْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَةِ أَخِيهِ أَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَى الأَرْضِ، لِكَيْ لاَ يُعْطِيَ نَسْلاً لأَخِيهِ.] معنى "أَفْسَدَ عَلَى الأَرْضِ" الواردة في النص أي أَفرغ منيّهُ على الأرض، وهي بمثابة "إضاعة" وتبذير، ومنها انتقلت الرؤية الدينية هذه إلى المسيحية ومن ثم الإسلام. هذه القصة كان لها تأثيرًا كبيرًا على عقول أجيال الماضي القديم ونحتت موقفهم الديني والاجتماعي بشكل كبير. ولكي نفهم الحاضر، لابد من المرور بالماضي. الاستمناء: هل الإفراط فيه مفيد فعلًا؟

قبل أن استهل في الإجابة على هذا السؤال، دعنا نميّز بين ما نعرفه، ما يستطيع العِلم الحديث الإجابة عنه وبين النتائج التي مازالت في طور الأبحاث و لا فصل فيها بعد.

أريدك أنت تستدعي حقيقتين واقعيتين إلى ذهنك قبل أن تكمل معي هنا: الأولى، هي أن الاستمناء ليس عندنا نحن البشر فقط، بل كذلك عند بعض الثدييات الأخرى، والحقيقة الثانية هي أن الاستمناء وسيلة طبيعية لاستثارة الأعضاء الجنسية بهدف الوصول إلى النشوة، لكنه ليس بديلاً عن العلاقة الجنسية.

المجتمعات البشرية تعاملت مع الموضوع بشكل تفاوت بين حقبة وأخرى وخضع لعوامل متعددة كالدين، والثقافة القبلية. وكعادة الإنسان الذي يخشى ما لا يعلم، اعتبرته بعض المجتمعات سلوكًا مضرًّا، بينما أفرطت الأخرى في الترويج له. أتذكّر أول مرة استمنيت فيها، عند دخولي المراهقة مبكّراً جداً، كانت بعكس المردود الممتع الذي يقتضيه كوكتيل الهرمونات الذي يحفّزه الدماغ بعيدة كل البعد عن المتعة. كوني ولدت في مجتمع شرقي تحكمه قبضة الأحكام الدينية المانعة بالوعيد والترهيب، فالتعامل مع الموضوع لم يكن بذلك التفصيل ولا حتى تطرّق له المعلّم في درس الأحياء وفي وقت لم يتطوّر الإنترنت فيه بعد. الخوف والقلق من ذلك السائل الغريب على جسمي ولّدا شعوراً مضطرباً في البداية، شعوراً مخيفاً لطفل يدخل المراهقة من أسوأ أبوابها. اليوم، الأجيال الحديثة أكثر انفتاحاً على الموضوع من قبل وتتعامل مع الموضوع بشكل أقل توتّرًا.

لاحظ أنني ذكرت التفاوت بين المجتمعات في التعامل مع الأمر، وهذا التفاوت يصقل أجيال المستقبل في سلوكهم ونشاطهم، وهذا هو سبب كتابتي لهذا المقال: النشاط والسلوك، لأنه يمسّك أنت أيضاً.

في اليونان القديمة مثلًا، كانت الإباحية الجنسية في بعض المدن خالية من المحرّمات، ومع ذلك، كان هنالك مفكّرون يهدفون إلى العودة إلى الحالة الطبيعية، السلوك الطبيعي الذي يعيد الإنسان إلى واقعه كحيوان من الطبيعة. ديوجانس الكلبي [٤٠٠ ق.م.]، أحد الفلاسفة الذين عاشروا الاسكندر المقدوني، كان ديدنه الاستفزاز في الطرح، حتى استمنى في يوم من الأيام علنًا ​​في وسط السوق قائلًا: "يمكنك بالمناسبة أن تفرك قضيبك ببطنك حتى تتخلّص من الجوع" في وقت كان للعديد من الفلاسفة اليونانيين موقفًا محافظًا ومترددًا من الاستمناء.

حتى أواخر العصور الوسطى في أوربا، لم يكن الاستمناء بذلك الثقل من الرذيلة، حتى تم تجريمه دينيًا من الكنيسة الكاثوليكية مثل سائر أشكال النشاط الجنسي التي لا تخدم التكاثر "الشرعي"، حينها بدأت الكنيسة تروّج لها كخطيئة حالها حال اللواط وتعاقب عليها بالتعذيب البدني. المناطق العربية الإسلامية لم تختلف في نظرتها الفقهية والاجتماعية حول الاستمناء، لأن الأديان الإبراهيمية عموماً تنطلق من فكرة أن جسد الإنسان قد "نُفِخَ فيه" من روح الله وبالتالي الاستمناء هو "تدنيس" بحد ذاته، ولذلك وإن اختلفت المصادر والدوافع، فالسبب هو تصوّري في أصله.

في عصر التنوير لاحقا [في أوربا] بدأ الموضوع يأخذ بعدًا اجتماعيًا جديدًا خارج إطار الدين، عندما بدأ يصفه البعض بـ"لخطر الاجتماعي" و"السلوك غير الطبيعي"، في وقت كان فيه الإفتاء لا يقتصر على رجال الدين فقط.

هذه الفترة شهدت مصطلحات جديدة كالتلوّث الذاتي والشنيعة الملوّثة وهي الفترة التي شهدت ارتباط الاستمناء لأوّل مرة ببعض الأمراض الشائعة آنذاك مثل الجدري والسل. الكثير من أطباء تلك الحقبة وجدوا في تلك الفرضية توافقًا بين آراءهم الطبية والدينية وفرصة لإغلاق سيل الكم الهائل من الحالات المرضية والاضطرابات الجسدية التي لم يجدوا لها جواباً شافياً بعد.

لاحقًا، في القرنين الـ 18 والـ 19 بدأت تنمو في أوربا حملة واسعة النطاق ضد الاستمناء، أخذت أشكالًا متعددة، من الخطب والمواعض الدينية في أيام الأحد إلى عدد لا يحصى من المطبوعات العلمية والشعبية التي استنكرت في مضمونها الأخطار المزعومة من ممارسة العادة السرية. هذه الحملة حتى الآن لها تأثير على عقليات الكثير من البشر، وأنا على ثقة أن بعض ممن سيقرأ هذا النص سيبتسم لأنه سمع يومًا أن الاستمناء يسبب زيادة حب الشباب في البشرة. بكل بساطة الموضوع يقف على علاقة ترابطية لا سببية، حيث أن المراهق يعيش ثورة هرمونية في هذه الفترة من العمر تقف وراء هذا التغيّر في البشرة، وهي نفس الفترة التي يفرط فيها المراهق أو المراهقة من الاستمناء.

الأمر بدأ يتغيّر مع تطوّر الطب الحديث، والموضوع لم يعد يتعلّق بالأمراض، بل العكس تمامًا، الدراسات الحديثة تجد إيجابيات واضحة في الاستمناء. لكن الحذر مازل مواكبًا للموضوع، لماذا يا ترى؟

المفاهيم المتراكمة من سوء فهم مبني على ادعاءات خاطئة تعيق التطوّر الجنسي الصحي للطفل وتجعل الطفل والمراهق يعانيان من اضطرابات نفسية وتناشجز إدراكي، خصوصاً عندما يتدخّل الدين أيضًا في وعيده.

لكن ماذا عن الإدمان و الإفراط في ذلك؟ ماذا عن من يستخدم الاستمناء كوسيلة للهروب من مشاكل حياته حتى يقع في فخ الإدمان؟ هل الإفراط فيه فعلاً مفيد لهذه الدرجة كما تدّعي بعض الدراسات الحديثة؟

العِلم الحديث لم يعطي كلمة الفصل في هذا النقاش بعد، بل البحث مازال مستمرًا. هنالك علاقات ترابطية بين الاستمناء وتجنّب الإصابة بالسرطان، في نفس الوقت هنالك دراسات تتناول الإدمان الناجم عن الإفراط في الاستمناء وعلاقته بانخفاض مستوى التيستوستيرون.

الموقف المناهض للرأي السائد أن الاستمناء مفيد للجسم وأن تعدد العلاقات مفيد صحياً، بغض النظر عن كونه محقًا أو مخطئًا، يستند في طرحه على نقاط تتكرر دائمًا:

> ارتفاع نسبة الأمراض الجنسية بين الشباب في المجتمعات المتحضرة.

> السلوك الإدماني الناتج عن الإفراط في الاستمناء و الذي يصاحبه تشتت ذهني خصوصًا عند الشباب. بغض النظر عن أن ما يقارب الـ ٢٥ ٪ من المواضيع التي يتم البحث عليها في الإنترنت تتعلّق بالجنس، أي ما يقارب الـ ٦٨ مليون بحث في الجوجل في اليوم الواحد.

> ارتفاع مستوى التيستوستيرون بعد فترة [أعلى نسبة يصل إليها الجسم بعد ٧ أيام] من الامتناع وإراحة الجسد.

المجموعة الأولى تمثّل الأشخاص الذين امتنعوا لمدة عن الاستمناء

خلال الاستثارة الجنسية والوصول إلى النشوة تشهد الخلايا العصبية مرحلةكبيرة من الإثارة،حيث يفرز الدماغ الكثير من هرمون الدوبامين الذي يتسبب في نوع من الثمالة و"الإدمان"، الشعور الذي يصاحب النشوة عادةً. أيضًا الاسترخاء أثناء الوصول إلى النشوة يسببه الأندورفين، هرمون آخر له تأثير مهم على الدماغ. يمكنك اعتباره كنوع من المسكّنات التي يصنعها الجسم نفسه ليمحي التوتر ويهيّئ الدماغ للنشوة. هذا الهرمون مثلاً يُلاحَظ تناقص مستواه و مستوى السيروتونين عند الأشخاص المصابين بالاكتئاب.

طبعًا الأمر لا يقتصر على هذين الهرمونين فقط، فهنالك هرمونات أخرى مماثلة تلعب دوراً بارزاً كهرمون الأوكسيتوسين الذي من بين تأثيراته المتعددة أن يحفّز شعور التقارب و الإحساس بالأمن أثناء ممارسة الجنس، مما يمهّد للإسترخاء.

لذلك تجد الكثير من الباحثين يحث على ممارسة الجنس لأنه "يلطّف" الكيمياء في الدماغ. لكن ماذا لو أصبح الأمر مهرباً من مشاكل المجتمع وملجئاً بعيداً عن مواجهة الواقع؟

بالفعل هنالك دراسات تدرس تأثير الدوبامين على الدماغ المدمن، حيث أن الكثير من المخدرات تحفّز نفس الماكنة الهرمونية التي تلعب دورًا في توليد النشوة. فعندما يتم مشاهدة المواد الإباحية، فإن كميات كبيرة من الدوبامين، وغيرها من المواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ يتم إفرازها عند رؤية الصورة(المحفّزة)، مما يمنح الإحساس بالنشوة بسبب الكميات الهائلة من الدوبامين المرسلة إلي الدماغ في تلك اللحظة، المشكلة هي أن الدماغ يجيد التكيّف. توقّف على هذه الكلمة لوهلة: أدمغتنا تتكيّف مع المحفّزات السابقة والمألوفة ولذا يحتاج الشخص إلى المزيد من الصور والمزيد من التنوّع، بشكل أكثر تواترًا للحصول على الاندفاع نفسه. الآن تأمّل معي لثواني: أين أجد مثل هذا التنوّع المتواصل بشكل مجاني وسريع؟ نعم.. الإنترنت ومواقع البورن الإباحية. لست هنا لأبعث الخوف في داخلك، فلا ضرر في المشاهدة طالما لم تفرط في ذلك. لكن من المهم أن تفهم كيف يعمل جسمك و كيف يفكّر دماغك.

الخطوة الأولى قبل النشوة الجنسية، فيها يتم تفعيل مراكز المكافأة في الدماغ الخطوة الثانية، أثناءها يتم تفعيل القشرة الدماغية في الخطوة الثالثة يتم تفعيل مراكز المتعة و السيطرة في الدماغ

الرواقيون مثلًا، كانوا ينظرون إلى الأمر من باب تهذيب الذات والسيطرة على الشهوات. فالإنسان الفاضل هو من يجيد السيطرة على غرائزه وشهواته دون الإفراط والسقوط في فخ الإدمان، هذه الملاحظة حتى أقدم من الرواقية نفسها وتجدها في بعض الأديان والفلسفات القديمة حاضرة في إطار مختلف.

لا أستغرب عندما اقرأ عن انتشار حركات شبابية خارج إطار الدين أو الوعيض، تبحث عن الهدوء النفسي في عالمنا الفوضوي هذا في الامتناع عن الاستمناء لفترة معيّنة والتركيز على الحياة والأهداف الخاصة. لعل بعضكم سبق وأن قرأ عن حركة الـ NoFap التي انتشرت قبل عدة سنوات مروّجة للآثار الإيجابية للامتناع كالشعور بالنشوة والصحة البدنية والقوة الذهنية. أو حتى الشباب الذي يخرج عن عالم الفيسبوك لعدة شهور و عندما يعود يخبر غالبًا عن الأمور الإيجابية التي حصدها في الوقت الذي كسبه.

شخصيًا قمت بهذه التجربة [الامتناع] لمدّة ٨ أيام ولم أشهد تغيّرًا كبيرًا، لكنني كنت نشيطًا جدًا و مستوى التيستوستيرون صعد عندي بعد اليوم السابع، إضافة إلى أن الشعور بالنشوة قد ازداد عمقًا وكثافةً لفترة طويلة بعدها.

الموضوع نسبي أكثر من كونه موضوعيًا، فالأحاسيس والتجارب الشخصية غير كافية من منظور علمي، لكنها بدأت تجذب انتباه الباحثين، وبالفعل هذا ما بدأ يحدث. الدراسات التي حاولت كشف ما وراء ادعاءات هؤلاء الشباب لربما لم تؤكّد على وجود علاقة واضحة بعد، لكنها لاحظت ارتفاع في مستويات هرمون التيستوستيرون الذكوري وإن كان طفيفًا، إضافةً إلى توازن المستوى الأيضي.

الفكرة خلف كل ذلك بسيطة جدًا بغضّ النظر عن القيمة العلمية: فالسيطرة على الذات والشهوات شيء يبعث بشعور من القوّة والمتانة البدنية. كذلك راحة البال المصاحبة للتركيز على الأهداف الأهم في الحياة بدل تضييع الوقت هنا وهناك أو في صفحات البورن، التي هي نفسها بدأت تجذب انتباه الباحثين حول تأثيرها على الانطباعات والتوقّعات الجنسية والإدمان.

الإنسان عمومًا كائن غير عاقل إلا لو طلب منه التركيز على مهمّة أو فكرة أو أراد ذلك بنفسه، لذلك تذكير أنفسنا بنقاط ضعفنا يقلل من نسبة الخطأ ويجعلنا نستمتع أكثر عندما نقدّر قيمة المتعة و لا نفرط فيها.

إذن الامتناع التام عن الاستمناء يستطيع العِلم الإجابة عليه: والجواب هو واضح، الاستمناء طبيعي طالما لم يفرط الشخص فيه. وكلّما سيطر أكثر على سلوكياته، ازداد راحةً و نشاطًا.

bottom of page