الذكاء الفردي مهم، لكن معدّله في المجتمع بشكل عام أهم بكثير
- Garett Jones⎮ترجمة: سيف البصري
- 4. Aug. 2017
- 3 Min. Lesezeit
الذكاء الفردي للشخص يحدد مصير الإنسان و له تأثير مهم على محيط الشخص أيضاً. و رغم أهميته بشكل فردي، إلا أن الأبحاث الحديثة تبيّن أن معدّله في المجتمع بشكل عام أهم بكثير من مستواه لدى الفرد، و أن الاختلافات تفسّر معظم حالات التباين بين دول وأخرى. هذا ما يتناوله البروفيسور گاريت جونز خبير اقتصادي يهتم بشكل خاص في مجال الاقتصاد الكلّي و مجال معدّلات الذكاء و علاقتها مع الإنتاج والتطور الاقتصادي. ترجمت هنا مقطع من الكتاب:

"في المتوسّط، الأشخاص الذين يحرزون نتائج أفضل في الاختبارات الموحّدة عادةً مايكونون أكثر صبراً، أكثر تعاوناً، أكثر اهتماماً بالادخار و ذاكرتهم تكون أطول و أدق. و في الوقت الذي اكتشفت فيه عشرات الدراسات التي أجراها علماء النفس و الاقتصاد هذه الروابط بين معدّل الذكاء و الصفات المذكورة، عدد قليل جداً من الباحثين من حاولوا مناقشة ما قد تعنيه هذه النتائج بالنسبة لدول بأكملها على الصعيدين التربوي و الاقتصادي.
وبما أن متوسط درجات الاختبار يتباين بين الدول - سواء كنا نتحدث عن اختبارات الرياضيات أو اختبارات القراءة و الكتابة أو اختبارات الذكاء - فإن الارتفاع العام في درجات الاختبار على مستوى الدولة يعني على الأرجح زيادة في عدد الأشخاص الأكثر تعاوناً و أكثر اطلاعاً من بين المواطنين. و هذا بدوره يعني أن اختبار ذكاء على الصعيد الوطني من المحتمل أن يؤثّر بشكل إجمالي على وعي الشعب بشكل لا يمكن تجاهله. وإذا تمكن باحثو التعليم ومسؤولو الصحة العامة من إيجاد طرق موثوقة لرفع درجات الاختبار الوطنية، فإن الإنتاجية و الازدهار الحضاري سيرتفعان حيث تسود البطالة، الفقر و المرض الآن.
يمكنك أن تتخيّل حجم هذه التأثيرات من خلال النظر عبر البلدان و تأمّل التالي: الدول التي تحرز نتائج عالية في الاختبارات الموحّدة - مثل سنغافورة و فنلندا - عادة ما تكون حكوماتها إلى حد كبير خالية من الفساد؛ لديها طرق و جسور رصينة، و لديها الكثير من الاستثمارات الخاصة [القطاع الخاص] في المباني، المكاتب، المصانع و المنازل. الصين أيضاً تقدّم نتائج جيدة في الاختبارات الموحّدة، و خاصة في الفترة التي تبعت حكم ماو تسي تونگ نما اقتصاد البلاد بشكل سريع. إن درجات الاختبارات العالية في هذه البلدان تعكس متوسّط المهارات المعرفية لمواطنيها و رأس المال البشري اللازم للتعامل مع تعقيدات الاقتصاد الحديث و الحياة الحديثة.
على النقيض من ذلك، فإن الدول التي تكون فيها درجات الاختبار متوسّطة أو أقل تميل إلى أن تكون تلك الأماكن التي يضطر فيها الناس إلى رشوة البيروقراطيين الحكوميين لإنجاز الأمور اليومية و الخدماتية، سواء كان ذلك مدير المدرسة، أو البيروقراطيين في مكتب رخصة القيادة، أو شقيق عضو في البرلمان [أو الكونجرس]. و حتى لو لم تكن مضطراً لرشوة الحكومة، فإن احتمالية كون الحكومة ضعيفة و ذي مهنية غير فعّالة ليست بالضئيلة.
المجتمعات ذات المتوسّط المنخفض من درجات الاختبار هي أماكن صعبة لتولّي مشاريع معقّدة و مكلفة، خاصة الاستثمار، كون العمّال المهرة و الطاقة الكهربائية المتوفرة لأربع وعشرين ساعة في اليوم عملة صعبة غير متوفرة في كل مكان. لذلك لا تستقطب مثل هذه الدول المستثمرين الدوليين، و هذا يعلل ضعف الاستثمار الخاص و الاعتماد على القطاع العام.
على المدى الطويل تستطيع تتبع نتيجة درجات الاختبار الضعيفة: إنها خليط من الجسور المتهالكة، المباني المتداعية، سرعة الإنترنت البطيئة و انعدام الازدهار. هذه العلاقة بين الدول ذات نسب اختبار عالية و أخرى ضعيفة، يمكن قياسها من ناحية القوة الاقتصادية و الثراء. فتلك الدول ذات النتائج الأضعف ضمن الـ ١٠ ٪ في جميع أنحاء العالم تكون ذو قوة اقتصادية و ثراء يعادلان ثُمن ١/٨ الدول الأولى ضمن الـ ١٠ ٪ الأوائل.
و بصرف النظر عن عدد قليل من البلدان ذات الموارد الطبيعية الوفيرة، فإن أهم المصادر الإنتاجية الثمينة في كل بلد هو العقل البشري. وفي حين أن الاختبارات الموحدة لا يمكن أن تخبرنا عن كل شيء و عن مدى إنتاجية العقل، إلا أنها تكشف لنا أكثر مما قد تظن. تعزيز المهارات العقلية الواسعة يعزز بدوره ازدهار الأمة و رفاهية المواطنين.
من الواضح أن هذه الاختبارات الموحّدة ليست مثالية و كاملة، و ذلك ينطبق في نفس الوقت على الإحصائيات، مع ذلك هي وسيلة جيدة لقياس تلك المهارات العقلية." من كتاب گاريت جونز: عقلية الخلية: كيف يلعب معدّل ذكاء المجتمع دوراً أهم حتى من معدّل ذكاءك؟