السلّم المهني أهم، أم دوام المجتمع؟ ـ الخلل في مطالب النسوية
- سيف البصري
- 19. Jan. 2018
- 4 Min. Lesezeit
من التاريخ البشري والواقع الاجتماعي يمكننا استخلاص حكمة لا تحتاج لتفصيل: العرش لا يشاطره إثنان.
لكن ما يتناساه البعض هو أنه هنالك أكثر من مملكة.
الغرب تجاوز مرحلة الدعوة للمساواة لينتقل إلى مرحلة استهتار بالمسلّمات الطبيعية. مع أنني أظن أن هذه المعركة خاسرة هناك، إلا أنه يمكن تفادي نشوبها في مجتمعات أخرى.
قبل أن تستمر في القراءة: من الصعب جدًا دمج المجتمعات وتجاهل التباين فيها.
واقع حال المرأة في أفغانستان، السعودية أو إيران مثلاً يصعب جداً مقارنته بذلك في أوربا الغربية. كيف يمكن وصف النقاب الذي يُجبرن النساء على ارتداءه بأنه حرية و تقليد يجب احترامه، كما يؤمنن النسويات في الغرب، اللواتي يجعلن من الحجاب رمزًا، في الوقت الذي ينزعن فيه نساء إيران المتظاهرات أو المتحررات من قبضة مسوخ الدواعش نفس ذلك "الرمز"؟. يالسخرية القدر..


حاول أن تفهم مقالي القصير من باب أنني أنوّه إلى أخطاء مجتمعات متقدّمة لا أتمنى بأن أشاهدها في أخرى لم تحدث فيها بعد. وعلى عكس من أنتقدهم في هذا المقال، لست هنا لأهاجم كيان الجنس الآخر وأقبّح صورته، بل لأنتقد أيديولوجية أرى في تبعاتها خطرًا على المجتمع أكثر من فائدته. هي وجهة نظر، تعامل معها وفقًا لذلك.
النسوية فعلًا من أخطر الأيديولوجيات في القرنين الأخيرين، ليس فقط لأنها تصوّر الرجل بأبشع صورة، بل أيضًا لأنها تجعل الكثير يقع في فخ كره النساء كردة فعل.
الرجل المتعلّم والمتربّي لا يمكنه بحكم طبيعته أن يكره المرأة. و لا هذا ما نريده عندما ننتقد النسوية كأيديولوجية. من المهم أن تكون هذه النقطة واضحة. أصلًا تكراري لهذا التبرير قد يعكس للبعض الموقف الدفاعي الذي نقع مجددًا فيه عندما نواجه النسوية والردود المدفوعة بالعاطفة.
عندما أتكلّم عن النسوية، فأنا أتناولها منذ ولادتها في أحضان السوڤيت والحركات اليسارية الثورية وحتى التعرّي والصراخ في شوارع الزمن المعاصر.

رفض الكثير من الشباب العرب للنسوية لايمكن تفسيره بأنه رفض للمرأة، لأنه بكل بساطة تفسير مبني على مغالطة تسوّق لها حركات الفيمن لكسب عواطف المرأة والتقليل من شأن دورها الطبيعي وقدراتها التربوية التي تفوق قدرات الرجل، من أجل المال والمكسب الذاتي. وأنا لا أستغرب ذلك، لأنه الجواب العاطفي الأسهل.
كل ما نملك هو أن نرد بوضوح على محاولات وضعنا في خانات الحقد واضطهاد المرأة. لأن هذا الأسلوب سيجعل الجنس الآخر يفقد صبره وإيمانه بمساعدة الجنس الآخر.
فتصوير الرجل كوحش هائج، كمضطهد فاجر ذو امتيازات ـ امتيازات كالموت في الحروب وساحات القتال منذ ولادة التاريخ البشري ـ لن يثير سوى سخط الكثير بدل أن يكسبهم.
الذكور الناضجون لن يجدوا مشكلة في المبالغة في الرقة مع المرأة، العطف عليها، تحمّل عبء مسؤوليات أكثر كي يخفف عنها. طالما هي لم تشكك في مكانته ودوره المتناغم مع الطبيعة. أصلًا كلمة مغازلة صادقة أو قبلة واحدة قد تجعلها سعيدة طوال اليوم. المرأة هي جنس جميل ولطيف فعلًا، وصدقوني لا أظن أن أي رجل ذكي مغاير بـمستوى تيستوستيرون سليم يرغب بالعيش في مجتمع دون نساء، أو في مجتمع تحتقر فيه المرأة، أو في مجتمع تكون فيه المرأة غبية ومضطهدة. كيف أريد من أم أطفالي التي تتحمّل الدور الأكبر والأهم من التربية أن تكون غير متعلّمة و غبية؟!
في السنة الماضية قرأت كتابين لطبيبين نفسانيين ألمان (أحدهما مارس المهنة في العيادة لأكثر من ٣٠ سنة)، أكّدا مجددًا التحذيرات السابقة في عدة مجتمعات غربية أخرى عن بعض مشاكل المجتمع النفسية وعلاقتها بالتغيّرات التي طرأت على المجتمع منذ نهايات الستينات.
من الملاحظات التي تتكرّر هي انهيار الأواصر العائلية، ولادة أجيال نرجسية أناوية، تفتت الصورة التقليدية للعائلة وانتشار ظاهرة نشوء الطفل في بيئة دون أب أو أم.
كذلك الضغط النفسي على الشابة التي من باب تطالبها الأصوات النسوية (التي يتبناها عدد ليس بالقليل من الذكور) بالانخراط في السلك المهني و تعلّي مناصب عليا، ومن باب آخر لعب دور الأم المثالية. التوافق شبه مستحيل لأنه يعتمد بكل بساطة على الزمن.
لكي أوظّف هذه المعلومات في النقاش، دون أن تضعني في خانة الاضطهاد والكره، دعني أضرب لك المثال التالي:
نسب الولادة: استمرارية المجتمع "السليم" تقتضي أن يهتم أحد الأبوين بالطفل (ع الأقل ٢ ـ ٣ أطفال ـ لكل طفل ٣ سنوات). بغضّ النظر عن الأواصر البايولوجية بين الأم و الطفل، هذا الالتزام سيأتي على حساب الوقت والمهنة. المعادلة بسيطة: تركيز الجنسين على المهنة يأتي على حساب دوام المجتمع، إنتاج أجيال سليمة وجاهزة لاستلام أدوارها في المستقبل وضمان السلك التقاعدي مثلًا.
السؤال الآن: السلّم المهني أهم، أم دوام المجتمع؟
طبعًا لا ننسى أنه لم يسبق لأي مجتمع أو حضارة أن نجت واستمرّت بنسبة ولادة أقل من الـ ٢,٣. في أوربا الغربية مثلًا هي اليوم عند ١,٥ تقريبًا.
المشكلة هي مع النسوية ـ وهنا أعمّم عن قصد، لأن النسوية العربية هي استيراد صافي من الغرب حتى بالمفردات ـ لا مع النساء. لأنها تقيّم دور التربية ومركز العائلة، الذي هو نواة المجتمع، برخص الثمن وتروّج لمزاحمة الرجال في أدوارهم وإعادة تعريفها. مع أن هذا الدور الاجتماعي هو بمثابة المملكة التي صانتها المرأة ولعبت دورها الجوهري فيه على مر التاريخ، دون أن يزاحمها الرجل أو يشكك في قدراتها. حتى وإن افترضنا أنها محقة، هل إجبار المرأة على منافسة الرجال واللعب ضمن قوانينهم، هو أمر عادل أصلًا؟ لماذا عليها مزاحمة الرجل في سوق هو من بادر في خلق قوانينه؟ مالعيب في كوننا جنسين مختلفين؟ لكل جنس قواه و عيوبه، لكل واجبات ومسؤوليات؟ الطبيعة الأم لها كلمة الفصل في الكثير من هذه المقارنات، لماذا نتجاهلها في المعادلة؟ لا تتجاوز على قوانين الطبيعة و لا على دوام المجتمع وبعيدًا عن التقبيح، حينها لن تجد مجابهة من أي طرف، بل آذان صاغية.