العائق الأكبر للشاب قبل أن يستهل بالزواج ـ هل يمكن تجاوزه؟
- سيف البصري
- 22. März 2018
- 6 Min. Lesezeit

نقطة مهمة للقارئ العزيز، عند مناقشة المواضيع الاجتماعية ذات البعد الشامل و التأثيرات المهمة على مستقبل و حاضر المجتمع، لابد من التمييز بين الآراء الفردية ذات الطابع الشخصي و بين وجهات النظر من باب موضوعي. فمن الطبيعي أن يتبلور عندك رأي معادي للفكرة بسبب تجارب شخصية غير موفّقة أو بسبب ظرف اقتصادي عصيب أو بسبب مطالب اجتماعية مبالغ بها و يفرضها الأمر الواقع.
عندما أتكلّم عن الزواج كمؤسسة على نطاق المجتمع، فرأيي هنا أو الأمثلة التي أشهدها حولي [كي نتجنّب المغالطات المنطقية] لا تصلح لكي أستند عليها كلياً في تبرير أي رأي، لماذا؟
لأن الزواج مؤسسة اجتماعية نمت ملامحها وفقاً لضرورات، على الأقل هذا ما نفهمه حتى الآن من العلوم الاجتماعية و علم النفس التطوّري تحديداً، ضرورات نتجت عن التعقيد الاجتماعي و طبيعة "الجموعات" البشرية التي نمت لاحقاً و تطوّرت إلى حضارات و مجتمعات متقدّمة نسبياً.
طبيعة التعقيد هذه اقتضت أن تكون الأسرة هي الاستراتيجية الأمثل لاحتضان الأطفال و التركيز لا على "النجاة" من مخاطر الطبيعة فقط، بل على التأقلم مع الهيكلية الجديدة التي تتجسّد في تعاملات البشر فيما بينهم، قوانينهم، تجارتهم، طقوسهم، حروبهم، أخلاقهم و اقترانهم [التعقيد هذا أخذ وقته قبل عشرات آلالاف من السنين].
من هنا أخذت الأسرة موقعها كنواة للمجتمع، على مر التاريخ البشري الحديث و في تقريباً [مع بعض الاستثناءات القبلية القليلة] كل العالم.
إذن الزواج كان و مازال استراتيجية مهمة لنمو و دوام الحضارات. هذا ما يتفق عليه التاريخ و العلوم الاجتماعية اليوم. مثلاً، لا توجد حضارة نجت على مر التاريخ و معدّل الولادة فيها أقل من 2,3! هذه مشكلة على نطاق المجتمع، لا على نطاق الفرد. و عليه، مشروع الزواج هو خطوة ضرورية من وجهة نظر موضوعية تراعي دوام المجتمع، و هي تقبل الاستثناء في الحالات الشخصية. مهم جداً أن تراعي هذه النقطة، كي لا تقع في فخ إنكار دور هذه المؤسسة التي تضمن نشوء العائلة، كينونة المجتمع.
الآن البعض، و أغلب اعتراضاتهم مشروعة صراحةً، يعترض على مؤسسة الزواج الحالية و ينفر منها.
أ) التكاليف الخيالية قبل الزواج تقع في رقبة الذكر مثلاً، و التي تتناقض أخلاقياً و مادياً مع معطيات و ظروف الواقع [هنا أتكلّم عن المجتمعات العربية خصوصاً]. ب) هيمنة العادات القبلية.
ج) الإنجاب فوق حدود المعقول و دون مراعاة الحالة المادية. ح) الكثير من مشاريع الزواج دوافعها مبنية على "رغبة جنسية وعدم فهم جيد للمقابل و انجذاب للشكل والتصرفات المتصنّعة"، كما يشكو أحد الأصدقاء. خ) "النزاع الأسري" بين أهل الزوجة و الزوج و تدخّلاتهم في شؤونهم و استقرارهم العائلي.
د) البحث عن "محيط أمين" و بيئة تعليمية سليمة للطفل. ذ) الضغط النفسي الذي تمارسه العائلة لإقناع الشاب بالزواج خوفاً من صيت العزوبية أو تهم الشذوذ
و القائمة قد تطول...
قبل عدة أيام اصطحبني سائق تكسي شاب من بغداد في بداية عقده الثالث، كان يشكو من قلة الزبائن في ظل حاجته الماسة إلى المال لسد تكلفة الزواج المنهكة على حد قوله. خوفه كان لدرجة أنه لم يعد يستبعد إمكانية فسخ الخطوبة لضعف الحالة المادية. فمطالب أهل الزوجة باهضة و هي مشروعة من وجهة نظرهم، التي يقرّها الشاب نفسه. حيث أنه لم يكمل دراسته الإعدادية بعد و لا يملك الوقت، فهو المعين الوحيد لأهله. أهل الزوجة يريدون الاطمئنان على مستقبل ابنتهم المادي، و هنا مربط الفرس. هذا الشاب يمثّل بمعاناته شريحة واسعة من الشباب. طبعاً أنا لم أتطرّق بعد إلى التسابق الطبقي بين العوائل لإبراز القدرات المالية و المكانة الاجتماعية على حساب الآخرين. التسابق في اختيار الأماكن و النوادي الأشهر و الأغلى و الأكل الراقي و الغالي و اللباس الثمين و الفرق الموسيقية الشهيرة و إلخ.. هنالك هوس مريض متفشّي في المجتمع، لا بد من تحجيمه. العطش الاستعراضي في الحفلات و الابتعاد عن التواضع و البساطة هو ما يمثّل واقع مشاريع الزيجات العربية الحديث بشكل عام.
لكن هذه مشاكل تتباين بين مجتمع و آخر، وفقاً لمتوسّط ذكاء الشاب، ثقافته، انفتاحه و الحالة الاقتصادية طبعاً. هل يعني ذلك أن ننفر تماماً و نعارض الزواج كحل؟ أنا لا أجد ذلك منطقياً و لا مفيداً لو نظرنا للأمر من ناحية المستقبل. الخطر الأكبر هو عندما يكتمل المشروع بأواصر متسرّعة و ضعيفة، دوافعها إشباع جنسي و تخلّص من مسؤولية تربوية و اجتماعية (غالباً من جانب أهل البنت). لأنها ستفسح المجال لإنجاب أطفال تحت خيمة زيجات قصيرة الأمد مصيرها الانهيار. حينها سيضطر الأطفال للترعرع في بيئة انفصالية.
و هنالك مانع من الإنجاب خارج الخيمة الأسرية، لأسباب كثيرة نلاحظها في أوربا و المجتمعات الاقتصادية المتطوّرة مثلاً، من بينها:
أ) تفاقم الاضطرابات النفسية التي يسجّلها الأخصائيون النفسيون و التربوين في المدارس عند الأطفال الذين يفتقرون لأب أو لأم أو نتجوا عن علاقات جانبية.
ب) لا يوجد طبيباً نفسياً و لا شخصاً تربوياً يؤيّد نشوء الطفل في بيئة يخلو فيها الأبوان أو أحدهما. كل الدراسات الاجتماعية التي تدرس نمو شخصية الطفل، تؤكّد على دور الأم المهم و الأب كذلك في نضوج سليم لشخصية الطفل.
أستطيع أن أدخل بتفاصيل أكثر للأزمات الناتجة عن تفكك هيكلية الأسرة، كارتفاع معدّلات الاكتئاب النفسي، تزايد الشذوذ، ارتفاع معدّلات الانتحار و إلخ.. لكن هذه لوحدها تحتاج عدة مقالات.
بيت القصيد، الزواج مؤسسة تعاني في مجتمع هنا من "س" و في مجتمع آخر من "ص"، لكن هل المعاناة هذه تستدعي أن نثور كلّياً على الزواج؟ ماهي تداعيات هذا الأمر لو حدثت؟ أليس من المفروض أن نتّعض من تجارب المجتمعات التي جازفت قبلنا؟
علمياً و عملياً النيل المنظّم من المؤسسة الزوجية يشكّل مجازفة عواقبها غير حميدة و ضارة. أين المشكلة في الحفاظ على الميمات الناجحة التي مهّدت لتشييد حضارات و مجتمعات عبر آلاف الأجيال؟ أن تنتقد الزواج شيء، و تثور بشكل يحاول تهديم الأسرة شيء آخر، لذلك احذر هذا الفخ.
اعتراض الكثير على مشاكل الزواج في الوطن العربي مشروع و أنا أتفهّمه، بل أزيدك من الشِعر بيتاً، قبل فترة نشر صديقي حيدر راشد مقالاً تناول فيه سبب نفور الشباب من الزواج:
"فالذكور العراقيون عموما يشعرون بأنهم في حصار خانق متعدد الأبعاد، وقبضة لا تزيدها الأيام إلا قساوة وإحكاما. سيطرة الإسلام السياسي على المشهد الاجتماعي والواقع السياسي قد ضيّقت من أفق التجارب العاطفية الممكنة وزادت كلفتها على المال والحياة بشكل خطر، وصعود طبقة المقاولات وموظفي الرئاسات الثلاث دفع بأسر الطبقة المتوسطة فما فوق «والناس على دين ملوكهم» إلى رفع مستوى المهور من 4 آلاف دولار في بداية الحرب الطائفية، إلى 12 ألفاً قبل بضعة أعوام، والآن تتردد أنباء عن أسر تتفق على مهور تبدأ من 25 ألف دولار [وهذا مقدم المهر وحده، أما المؤخر فيتجاوز ذلك بكثير، مما يثبت أن هذه الزيجات لا يراد لها أن تدوم من البداية]… علماً بأن الراتب الذي يتقاضاه موظف حكومي حديث التخرج لن يتجاوز 500 دولار شهريا، رغم ندرة الوظائف والرشاوى المكلفة التي تفرض قبل التعيين."
في مصر تجد أن تكلفة الزواج تقترب من مليون جنيه، حيث يصل سعر الوحدة السكنية إلى 400 ألف جنيه، و بالنسبة لشبكة العروس فإن هناك تفاوتاً في بعض المدن، فمنها من يشترط عدد غرامات معينة تصل إلى 500 غرام، ما يعني أن تكلفة الشبكة وحدها تتجاوز نحو 300 ألف جنيه. بل إن بعض الأصدقاء من مصر يذكرون أن سعر شقة متواضعة على أطراف المدينة لا يقل عن المليون جنيه. يشكو لي أحد الأصدقاء: "والشاب مفروض عليه فوق تمن الشقة وتشطيبها انه يفرشها.. اوضة نوم وصالون وسفرة ومعيشة واطفال.. وهى عليها الاجهزة الكهربائية والسجاد والستاير والمراتب وغيره من الرفايع. الراجل دافع تقريبا 95% من تمن المشروع دة.. مش هو، بتبقي تحويشة عمر اهله. في الريف المهور والشبكة اغلى جدا وتكاليف الفرح اكثر بذخا، وده لان البيت غالبا بيبقي بيت اهله من زمان وبيكون ارض زراعية وطالع عليها مخالف بالعمارة، فا هو مش متكلف الا التشطيبات.. بيعوض الناقص من تمن الشقة في مهر وشبكة واجهزة." في السعودية يصل المهر لـ 100.000 ريال، أما في لبنان فيصل لـ 100.000 دولار! الأرقام العالية تجدها كذلك عندما تبحث عن مبالغ المهور في المغرب العربي.
العائق المالي هو فعلاً المشكلة الأكبر، و أظنني أستطيع أن أتكلّم بإسم الأغلبية من الشباب الذين يرغبون بتوفير المال لبناء الأسرة بدل إسرافه في الحفلات الباهضة و مبالغ المهور التي لا تتناسب مع الواقع المادي للشاب و لا مع المعقول. طيّب، من يستطيع أن يساعد الشباب؟ برأيي كل أب و أم يريدان فعلاً ضمان دوام الزواج السليم لابنتهما أو ابنهما، عليهما أن لا يجهضان المشروع قبل ولادته. فلا هو بيع و شراء لسلعة ما، و لا ضمان الحياة المتناغمة و المستقرة هو المال الكثير، و لعل تجارب المتزوّجين تؤكّد أن مصدر السعادة هو التفاهم و الصدق و الإشباع الجنسي الطبيعي بين الزوجين، لا مقدار مقدّم المهر و لا مؤخّره. و عندما يعاني الشاب، ستعاني الشابة أيضاً، فالأمر الواقع يفرض نفسه على الطرفين. الابتعاد عن الترف و الإفراط في الإنفاق سيعود بالخير على خزينة الزوجين الحديثين حتى ينفقوه على ما هو أهم و أنفع. إضافة إلى ذلك، هي مسؤولية اجتماعية نبيلة أن نساهم في تقديم مثال حي للمحيط الاجتماعي، كيف نفرح و نحتفل و نضمن مستقبل الزواج الحديث بأقل المال، لا أكثره. فالقيمة الأهم هي أنه سيكون زواجاً موفّقاً و بذرة صالحة لنشوء أسرة، لا قيمة النوادي و لا الأكل الفاخر. أختم بقصيدة طريفة لا أعرف كاتبها، عن شاب أراد أن يخطِب فتاة .. فكتب لأبيها: أيا عماه .. يشرفني أمد يدي لكي أحظى كريمتكمْ وأن تعطوننا وعداً أتينا الله داعينا فإن وافقت يا عماه دعنا نفصّل المهرَ وخير البرِّ عاجله ونحن البرَّ راجينا فقال: أيا ولدي ..لنا الشرف، فنعم الأهل من رباك ونعم العلم في يمناك وإن العلم يغنينا وأما المهر يا ولدي فلا تسأل لأننا نشتري رجلاً وليس المال يعنينا ولكن هكذا العرف وإن العرف يا ولدي يحميكم ويحمينا
فمائة ألف مقدمها وأربعون مؤخرها وضع في البنك للتأمين عشرينا و بيت بإسم إبنتنا ملبوس على البدن من الفستان لـ أحلا المصممينا وأما العرس يا ولدي ففي "الشيراتون" فشأن صغيرتي شأن سعادٍ بنت خالتها وهندٍ بنت عمتها وشيرينا
فإن وافقت ..قلنا بارك الله لنا ولكم وقال الكل آمينا
Hozzászólások